يقول تعالى:
﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ
الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ
وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾
(الأنفال:1).
* معنى الأنفال في الآية الشريفة:
إن الأنفال في اللغة والاستعمالات القرآنية تستخدم بمعنى "الإضافات". إن المقصود من
الأنفال في الآية الشريفة، يمكن أن يكون "الغنائم الحربية"، أي بما أنّ هدف
المسلمين من القتال والجهاد في سبيله هو نيل رضى الله عزّ وجل، فإن كسبوا غنيمة من
الغنائم فهو إضافة على ما قصدوه من هدف أصلي من الجهاد في سبيل الله وهو رضى الله
عزّ وجل، لذا فسّروا الأنفال بالغنائم الحربية، ويستفاد من هذه الآية، أنه يجب أن
يكون الهدف الحقيقي للمسلم في الجهاد هو القيام بواجبه وجلب رضى الله عزّ وجل نحوه،
وأما الغنائم الحربية فيجب أن تعتبر هدفاً إضافياً لذلك؟ والمعنى الآخر للأنفال هي
تلك الأملاك التي لا صاحب لها في أرجاء المعمورة، والتي يمكن أن تكون بشكل أساسي ما
يلي:
- الأراضي الموات.
- الغابات.
- سواحل البحار.
- الجبال.
- الوديان.
- الأحراج.
- المراتع التي لا تتواجد في ضواحي العمران.
- الأراضي التي تركها أصحابها وأعرضوا عنها (أي الأراضي التي باد أهلها).
إن جميع مثل هذه الأراضي هي للحكومة الإسلامية، وكل من يريد أن يتملكها ويصلحها
ويستفيد منها يجب أن يحصل على إذن من تلك الحكومة، حيث يستطيع بعد ذلك أن يصبح
مالكاً شرعياً لها بعد إحيائها. وفلسفة مثل هذه الإجازة ألاّ تصبح تلك الأراضي
نصيباً وملكاً لفئة قليلة من أصحاب الثروات الذين يمتلكون تلك الأراضي ويحيونها
ويتصرفون بها، بل يجب إعطاؤها من قبل الحكومة الإسلامية لأشخاص حتى يحيوها بناءً
على المصالح وضمن حدود مصلحة المجتمع الإسلامي.
*توزيع الثروة:
للأسف الشديد فإن التوزيع الظالم وغير العادل للثروة يعتبر مصيبة كبرى وداءً عضالاً
لا دواء له في عالم اليوم، حيث تعكس الإحصائيات والأرقام ذلك، إذ إن 80% من ثروات
العالم يمتلكها 20% من سكانها، وأما الـ20% الأخرى من ثروات العالم فهي تحت تصرف
80% من سكانها، وهذا الفاصل بين هاتين الطبقتين تزداد يوماً بعد يوم، حيث يزداد
الأغنياء غنىً ويزداد الفقراء فقراً، وكل الاختلافات والنزاعات والمشاكل التي يعاني
منها عالم اليوم هو نتيجة هذه المشكلة العضال، وللأسف الشديد فإن عالم اليوم لا
يمتلك أي برنامج لحل هذه المعضلة، وتحقيق التوزيع العادل للثروة، ولا يمكن له أن
يمتلك مثل هذا البرنامج لأن التفكير المادي لا يسمح بالتوزيع العادل للثروة.
والسؤال الذي يحضر هنا: هل يوجد في الإسلام برنامج لحل هذه المعضلة؟
ج: نعم، إن الإسلام يمتلك برنامجاً لحل مثل هذه المعضلات وكافة المشكلات والمسائل
التي يحتاج الإنسان إليها حتى يوم القيامة، ومن يدّعي أن برامج الإسلام محصورة
بالعبادات والطاعات، فهو جاهل ليس له علم بهذه الأمور.
* برامج الإسلام للتوزيع العادل للثروة:
إن للإسلام برنامجاً للتوزيع العادل للثروة، ولتوضيح ذلك
نقول: إن في الإسلام ثلاثة أنواع للملكية:
* الملكية الخاص: كل إنسان يستطيع أن يسعى ويعمل ويجهد ويكون مالكاً لنتيجة جهوده،
طبعاً فإن للملكية الشخصية حدوداً وضوابط.
* الملكية العامة: هي تلك الأموال التي لا مالك خاصاً لها، بل إن عموم الناس مالكون
لها مثل الأراضي الخراجية.
* ملكية الدولة الإسلامية: حيث تعدّ الأنفال جزءاً منها، قد مرّ التفصيل حولها،
وتقوم الحكومة الإسلامية في حالة الضرورة بتوزيع أملاكها بين أفراد المجتمع بصورة
عادلة حتى يتم عن طريق ذلك حل المشاكل التي قد تنشأ، فإذا تمت مراعاة برنامج
الملكيات الثلاثة في الإسلام بشكل دقيق وتطبيق ذلك، فإنه يتم حل معضلة التوزيع غير
العادل للثروة.
ضرورة الاهتمام بالتوزيع العادل للثروة:
سنوياً يفقد الملايين من الناس حياتهم نتيجة المجاعة، كما يموت الملايين
من الأطفال بسبب سوء التغذية، في حين من طرف آخر فإنه نلاحظ أن الكثير من مزابل
العالم، هنا وهناك، تكون مليئة بالمواد الغذائية التي يمكن أن تنقذ مجموعة كبيرة من
الناس من الموت جوعاً، ومن جهة أخرى من العالم يبنون لكلابهم وقططهم وسائر
حيواناتهم الأليفة مستشفيات وعيادات متخصصة طويلة وعريضة، وينفقون مبالغ ضخمة في
سبيل المحافظة عليها، ومن ناحية أخرى للعالم نلاحظ أنه لا يوجد أدنى حدّ من
الإمكانات العلاجية لعلاج المرضى من البشر. ومن المفارقات، أن نلاحظ أنه في ذلك
الطرف من العالم يتم إنتاج المشروبات الغازية بأنواع مختلفة يتحير المستهلك في
اختيار أي منها، ومن ناحية أخرى توجد عدة من الناس الذين لا يجدون مياهاً للشرب حتى
تلك المياه الغير الصحية، من ناحية نلاحظ أنه في ذلك الطرف من العالم توجد بيوت
مليئة بالأبهة والجمال وتمتاز بكافة الإمكانات، بل إنه توجد بيوت ذكية، بحيث إنه
إذا ترك صاحب ذلك المنزل منزله وتوجه للسفر، ودخل سارق إلى ذلك المنزل، يواجه بنظام
يعمل بشكل أوتوماتيكي على إبلاغ الشرطة وإبلاغ صاحب المنزل، بل إنه توجد عدة
كاميرات ودارات فيلمية مغلقة، تقوم بتصوير السارقين، وبالتالي فإنهم يقومون بضبط
وتسجيل كل حادثة يمكن أن تقع، في حين في الطرف الآخر من العالم لا يوجد منزل متواضع
لبعض الناس يحميهم من الحر والبرد ليلجأوا إليه! إن التوزيع غير العادل للثروة في
العالم، من المفارقات العجيبة التي أشرنا إلى نماذج منها فيما سبق، وعلى الرغم من
أن بعض الدول الكبرى ترفع شعارات خادعة للقضاء على مثل هذه المعضلة الاجتماعية
الكبرى، لكنهم لا يخطون أية خطوة عملية في هذا المجال، لذا نلاحظ بأنه تزداد
المسافة الفاصلة بين الفقراء والأغنياء، وبما أن مثل هذا الأمر يؤدي إلى ظهور أخطار
هامة على سطح العالم وتؤثر على جميع الناس، لذلك ينبغي البحث عن طرق حل له.