مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أول الكلام: ثقافة الحياة..فليستيقظ الغافلون

الشيخ يوسف سرور



شيّدت أمّتنا بناءها العقائدي ببراهين ثابتة، وأدلّة محكمة، وحجج قويّة، لا تقبل الردّ ولا النقض. وحاول أساطين الفكر وروّاد الكلام وفلاسفة العصور المتعاقبة وعلماء الاجتماع عبر القرون المتمادية أن يجدوا ما يعيب هذا البناء، أو ما يضرب ركناً من أركانه، أو ما يهدم أساساً من أسسه، لكنّهم فشلوا وأقرّوا بعجزهم وضعفهم. ولم ينكر علينا عقائدنا ويشنّع عليها بعد ذلك سوى الجحدة منهم والمكابرين الذين أُسقط في أيديهم، وأحاطتهم الآيات الربانية , فأعمت أبصارهم المصرّة على انتهاج الأفكار المنحرفة والعقائد الباطلة. قدّمت أمّتنا للبشريّة أعظم الخدمات في مجالات التّقدّم العلمي , حتّى صار ما قدّمته أساساً لكلّ النهضة العلمية الحديثة, التي نلحظ قفزاتها الواثقة في عصرنا الحاضر. وقدّمت كذلك للبشريّة أجلّ المنح في مجالات التطوّر الفكري، حتّى تفرّع الفكر الإنساني إلى عشرات الفروع، وتمكّن أن يخطو خطوات ثابتة، بحيث شكّل ما قدّمته الأمّة الإسلاميّة في هذا الصدد أرضيّة يبني عليها الفكر البشري صرحَه المنيف، ويزيّن بحكمة الإسلام ورجاحة فكره تاجه المرصّع بأجمل ما حصلت عليه الأمم.

لا غرو أن يكون للأمّة الإسلاميّة هذا الفضل على بقية أمم الأرض، وأن يكون لها ذلك الموقع الرائد بين الأمم كلها. لكنّ الذي جرى في القرون القليلة الماضية من تفتّت للبلاد الإسلاميّة وتشرذم لها نتيجة جهل الحكّام وتصارعهم واشتغالهم ببعضهم من جهة، ومن توثّب لقادة الدول المتقدّمة من جهة أخرى، أفسح في المجال أمام انتكاب البلاد الإسلاميّة عامّة باحتلال ووصاية، لم تنتهِ بتنصيب الحكّام الّذين يؤمّنون حماية كافية لمصالحهم ويشتغلون بشعوبهم ونخبهم وفعاليّات بلدانهم , إلى انشغالهم بالصّراعات البينيّة، ذاهلين عن زرع غدّة سرطانيّة بين ظهرانيهم، اغتصبت فلسطين ومقدّساتها وشرّدت مَنْ أفلت من القتل من شعبها. كان هذا حال الأمة، حتّى نهض عبدٌ صالحٌ من عباد الله، حفيد أبي عبد الله الحسين عليه السلام حاملاً راية الإصلاح كجدّه، وأشعل ثورة أطاحت بأعتى طواغيت العصر، وأسّس نظاماً إسلاميّاً خالصاً، مبنيّاً على قاعدة جماهيريّة منقطعة النّظير في التاريخ , وقدّم للأمّة أطروحة الإصلاح الكبرى القائمة على الوحدة وحمل همّ القضايا الكبرى، وفي مقدّمتها قلْع الغدّة السرطانيّة من الوجود وتخليص بلاد المسلمين من الارتهان. كان رجع الصّدى قويّاً في لبنان والمحيط الإسلامي، ممّا أشعر الاستكبار بالخطر المهدّد له. جرّبت أمريكا والغرب – ومعهما إسرائيل- كلّ أساليب القتل والاحتلال والتدمير، والتّهديد والوعيد، والويل والثّبور وعظائم الأمور. لكنّ ذلك لم يجدِ نفعاً، ما دفع إلى سلوك طرق المكر والخداع لاستعادة السّيطرة والتحكّم بأجيالنا وبلادنا وخيراتها. بحثوا في نقاط قوّة المسلمين وقاموا بالدّراسات المستفيضة، فاستنتجوا أنّ عقائدهم أساس قوّتهم. في السّابق , لم تنفع كلّ النقوض والرّدود في إضعاف هذه العقائد، ولا في تمسّك المسلمين بها، فعمدوا إلى زرع ثقافة الانحلال الأخلاقي في صفوف الشّباب خاصّة، وبين كلّ أفراد المجتمع على نحو العموم، واستخدموا في سبيل ذلك كلّ وسائل الإعلام المتطوّرة. بذلوا كلّ جهودهم لنشر الإباحيّة في كلّ مكان ترمقه العيون، وفي ترويج المخدّرات في صفوف الشّباب المتعلّمين وغير المتعلّمين، وبين المحبَطين وذوي الأزمات، حتّى يقتلوا فيهم روح الحماسة والاندفاع، ويميّعوا شخصيّاتهم فتضيع في متاهات الانحراف والظّلام، وصولاً إلى مأساة الحياة..الانتحار.

إنّ الصّرخة التي يجب أن يطلقها العقلاء -والّتي يجب أن يسمعها العقلاء-، هي أن يرجعوا عن ضياعهم، ويثوبوا إلى رشدهم، وينهضوا من غفلتهم، حتّى لا يفوتهم أوان الصّلاح والإصلاح، في أنفسهم وأبنائهم وزوجاتهم وإخوانهم..في أسرهم وعوائلهم..في أوطانهم وقيَمهم وثقافاتهم وأعرافهم الأصيلة..في دنياهم وآخرتهم، فيقولوا بعد أن يدركهم الموت ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ، فيأتيهم الجواب ﴿كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا. الفرصة سانحة في العودة إلى الذات من أجل إصلاحها، وفي ذلك يكون تحصينها وكسب الدنيا والآخرة، واستعادة الجيل من براثن الضياع وحبال هوى النفس. وبذلك على الأقل، نكون ممّن يستحقون أن ينعموا بالعزّة والكرامة والفخر الّذي منحنا إيّاه الأولياء والأنبياء والمضحّون، وعلى رأسهم الشهداء.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع