معنى الشهادة: اختلف في أصل المعنى اللغوي المأخوذ منه
لفظ الشهادة أو الشهيد، واختُلف في معناه أيضاً، فقيل هو شهيد لأن ملائكة الرحمة
تَشهده، أو هو شهيد لسقوطه على الأرض، وهي تسمى الشاهدة، أو لأن الله وملائكته شهودٌ
له بالجنة، أو لأنه يشهد يوم القيامة على من قتله، أو لأنه يَحضُرُ عند ربّه حياً،
إلى ما هنالك من معانٍ تُقتبس من الفعل شَهِدَ ومعانيه المتعددة، وتُسقط على المصدر
(الشهادة) أو على الاسم (الشهيد). وأما المعنى الاصطلاحي للشهادة فهو "القتل
في سبيل الله عز وجل"، فكل من قُتل في سبيل الله ضمن الشرائط المحدّدة فقهياً - هو
شهيد، ويلحق بهم طائفة ممَّن نصّت الروايات عليهم، ممن قتل دون ماله ورحله ونفسه
فهو شهيد.
* القادة الشهداء وصناعة النصر:
إن بلوغ الأهداف الكبرى في الحياة يستلزم تضحيات كبرى مكافئة لها, ولا ريب أن سموّ
الأهداف ونبل الغايات تقتضي سموّ التضحيات وشرفها ورقيّ منازلها. وإذا كان أشرف
التضحيات وأسماها هو ما كان ابتغاء رضوان الله تعالى، فإن الذود عن حياض هذا الدين،
والدفاع عن مقدّساته يتبوّأ أرفع درجات هذا الرضوان؛ ثم إن للتضحيات ألوانًا كثيرة،
يأتي في الذروة منها التضحية بالنفس, وبذل الروح رخيصة في سبيل الله لدحر أعداء
الله ونصر دين الله, وهذا ما جسّده شهداء المقاومة الإسلامية من المجاهدين والقادة
على امتداد سنوات الجهاد وسوحه ، ولاسيما القائد الجهادي الكبير (الحاج رضوان)،
وسيد شهداء المقاومة السيد عباس الموسوي، وشيخ شهدائها الشيخ راغب حرب ، حيث أغلى
التضحيات في أشرف الساحات دفاعاً عن أشرف الناس. ولأن الجهاد في ثقافتهم - باب فتحه
الله لخاصة أوليائه، ولأن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله، ولأن الشهادة حياة كما
حفظوا جيداً من كتابهم، حيث قال تعالى:
﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا
فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ
﴾.(آل عمران: 169) وقال تعالى:
﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ﴾
(البقرة: 14). كان سرّ الانتصار بشهادتهم ودمائهم الزكية .
* طريق الشهادة صعب مستصعب:
يقول الشيخ راغب حرب قدس سره: إننا اخترنا - بتوفيق الله تبارك وتعالى - طريقنا،
وكنا نعي من أول الأمر أنه طريق صعب مستصعب لا يسلكه إلا رجل امتحن الله قلبه
بالإيمان ولا ينال إلا بالتقوى... اخترنا طريقنا وكنا نعي أن هذا الاختيار يرشحنا
لأمرين: للنصر أو للشهادة أو يرشحنا للأمرين معاً، يرشح كل دمائنا لأن تراق وكل
بيوتنا لأن تهدم وكل أموالنا لأن تزول، ولكنه يرشحنا لأن نتلقى نصر الله الأكيد
الذي لا يؤتاه إلا الصابرون. اخترنا طريقنا طريق الإسلام ونحن على علم باختيارنا،
لذلك، لا يتصورنَّ متصور أنه إن فقدنا شهيداً مهما كان عزيزاً على القلب، فلا
يتصورنَّ متصور أن فقدان شهيد سيشعرنا بالندم، لكننا، سنقول ما قالت زينب يوم الطف:
اللهم تقبل منا هذا القربان.
* مفهوم الشهادة كما يراه الشهداء:
لقد تحدّث العديد من الشهداء عن مفهوم الشهادة، وقيمتها ودلالاتها وفلسفتها، وقد
عبّروا بذلك عن مكنونات فكرهم، وميّزوا بدقةٍ غايات الشهادة المقدًسة على هدي رسول
الله صلى الله عليه وآله وآله الطاهرين، عن غيرها من ألوان الموت وحالاته، وهذا ما
جعل الشهادة عندهم أحلى من العسل – كما يعبّر الشهيد رباح سامي زين في وصيته: "اعلموا
أن الشهادة عندي أحلى وأطيب من العسل، هذه الشهادة التي تنقلني من دار العذاب
والتعب والفناء إلى دار البقاء والراحة والسعادة والرخاء. إنني كلما فكرت بتلك
الدار دار الله الواسعة ولقاء الأحبة - يضيق صدري من هذه الحياة الدنيا، لم أعد
أطيق الانتظار فالانتظار صعب خاصة انتظار السعادة، وكيف إذا كانت هذه السعادة هي
السعادة الأبدية التي لا سعادة بعدها، حيث يصل الإنسان إلى ما لا عين رأت ولا أذن
سمعت ولا خطر على قلب بشر؟! فكرت فيها كثيراً وحلمت كثيراً بهذه السعادة ولكن أحب
أن أعيش أحب أن أحضنها، أحب أن ألتقيها. اعلموا يا أخوتي - أن لا سعادة للإنسان
المؤمن إلاّ بلقاء ربه وهو راضٍ عنه...".
* الشهادة موت الشرفاء:
ويعتبر الشهيد نزار صالح بأن الشهادة موت الشرفاء، ولا قيمة لشهادتنا أمام شهادة
أبي عبدالله الحسين عليه السلام، فيقول في وصيته: "مادام الموت حقاً على المرء،
فلماذا لا نموت شرفاء مقتدين بسيد الشهداء سبط الرسول الإمام الحسين عليه السلام،
مرددين معه "هيهات منا الذلة"، ومجيبين إمام الأمة لبيك يا خميني، صارخين في وجه
إسرائيل وأمريكا وروسيا وجميع قوى الاستكبار العالمي بأن والله لا نعطيكم بأيدينا
إعطاء الأذلاء ولا نقر لكم إقرار العبيد؟ّ". ويكمل قائلاً: قارنوا شهادتي بشهادة
أبي عبدالله الحسين عليه السلام وبشهادة أبي الفضل عليه السلام وسائر الأئمة عليهم
السلام والشهداء لتعملوا أن شهادتي ليست شيئاً أمام شهادتهم وموتي ليس شيئاً أمام
مصيبتهم... ويعيش الشهيد الذي يعي قيمة الجهاد والشهادة وموقعهما في المنظومة
الإيمانية والعقائدية، حالة القوّة والثبات في جهاد العدو، وحالة الغبطة للمجاهدين
حتى بعد استشهاده، وهذا ما يعبر عن أعلى درجات الوعي والتضحية، فهذا الشهيد جلال
رمال يخاطب إخوانه المجاهدين قائلاً: "إخواني في المقاومة الإسلامية: إنْ منّ الله
عليّ بالشهادة سأدعوه أن أقاتل بجنبكم ولو بثوب الشهادة، فإني أعشق أن أذلّ
الصهاينة، وألقى الأسى بقرع جماجمهم، فلكأنّ ذلك أحبُّ إليّ من الجنة، إن كنتم
تغبطوني على الشهادة فسأبقى أغبطكم على نعمة الجهاد". ويدعو الشهيد أحمد موسى
الأشهب الأهل والأحباب إلى اعتبار شهادته مناسبة فرح لا حزن، لأنه بذلك ينال غاية
ما يتمناه، وهو الفوز عند الله تعالى، فقال في وصيته: "أوصيكم عندما تسمعون نبأ
شهادتي أن تفرحوا ولا تحزنوا لأنني نلت ما أتمناه، كما أوصيكم أن تسلكوا هذا الطريق
المعبّد بدماء الشهداء الذي ينجيكم من عذاب أليم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من
أتى الله بقلب سليم وعمل صالحاً، وأن تستعينوا بالصبر والصلاة وتتمثلوا بعوائل
الشهداء". وهذا ما أكّد عليه أيضاً الشهيد احمد فضل الله بقوله: "... وكم تمنيت أن
تكون شهادتي قريبة لأنني لا أعرف كيف أعيش في هذه الدنيا، لا أحس يوماً من الأيام
بطعم لها أو لذةٍ فيها، في كل يوم أزداد شوقاً إلى ذلك اللقاء إلى تلك الشهادة
التي أتمنى - والله - من كل قلبي أن تكون خالصةً لوجه الله تعالى حتى ألتقي بالنبي
صلى الله عليه وآله وهو مسرور مني ويقبلني، ويا الله ما أجمله من لقاء؟!... ولن
تنالوا الشهادة إلاّ بشق الأنفس ولا يُلقّاها إلاّ ذو حظ عظيم ..."
* الشهادة حياة:
يصرّح الشهداء بأن الشهادة هي الباب الأوسع نحو الحياة الخالدة، ومع أهمية الأهداف
التي يستشهدون من أجلها وقداستها، يبقى الهدف الأسمى الحياة الخالدة بجوار الله
تعالى، يفتتح الشهيد وسيم نجدي وصيته بقوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم
﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا
فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾
صدق الله العظيم. ويعلّق على الآية قائلاً: "انطلاقاً من هذه الآية التي يؤكد فيها
رب العالمين على حياة الشهداء الأبدية الذين يرزقون في الجنة، وهذا الموت إنما هو
موت الجسد بينما الروح تعيش الفرح والسرور عند الله لما قدّمته في مرضاته، وتأكيداً
على نهج الجهاد الذي ذكره أمير المؤمنين بقوله عليه السلام: "إن الجهاد باب من
أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه"، ... فها أنا أسرع لكي أستجيب النداء وأقاتل
الأعداء لكي أحافظ على الدين والأرض من خلال مشاركتي بالجهاد ضمن صفوف المقاومة
الإسلامية التي قدّمت أعظم الشهداء. وقد أكّد أغلب الشهداء في وصاياهم، على
الانتماء إلى قدوتهم في الجهاد والاستشهاد، رسول الله وآله الطاهرين، ولا سيما
الإمام علي عليه السلام، وسيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام والالتزام بالنهج
المحمدي الأصيل، في مواجهة كل أشكال الظلم، ولا سيما قوى الاستكبار العالمي.
(*) مدير مركز التخطيط للتعليم والدراسات الإسلامية