الشيخ نعيم قاسم
تفترق الأمة الإسلامية فرقاً كثيرة، وتتكَّون لديها أحزاب
وجماعات كثيرة، وتبرز قيادات عدة في مختلف أنحاء المعمورة تكون لها مواقف متباينة،
ثم تختلط الأمور على الناس في التمييز بين الصواب والخطأ، لأنَّ التشابه في المظاهر
الإسلامية يغطي الحقائق، فالكل يصلي ويصوم ويحج، والكل يتحدث عن مرجعية الإسلام في
حياتهم، والكل يدَّعي الصواب في مقابل الآخرين، بل يصل بعضهم إلى حدِّ تكفير جميع
القيادات وفرق المسلمين ما عداه، وهذا ما يحصل أيضاً داخل الفرقة الواحدة. فهل هذا
الأمر ممكن بهذه الحدة؟ وأين سبيل النجاة؟
* أربع أمم:
وردت روايات عديدة تتحدث عن تقسيمات في داخل الأمة الإسلامية، بين السائرين على
طريق الحق، وبين المخطئين والمنحرفين والضالين، ففي رواية عن رسول الله صلى الله
عليه وآله أنَّه قال: "إنَّكم معشر هذه الأمة تصيرون أربع أمم: أمة قائمة على الحق
لا ينقص الباطل منها شيئاً، قيل: ولا يقاتلون؟ فقال: بلى، ويزلزلون زلزالاً شديداً.
وأمة على الباطل ليسوا من الحق على شيء. قيل: وهم يصلُّون؟ قال: نعم، وتكون صلاتهم
عليهم شاهداً. وأمة يذهبون يريدون الحق، فيخطئونه، يمرقون من الدين كما يمرق
السهم من الرمية، ولا يعودون فيه حتى يعود السهم على فوقه. وأمة برأيهم،
يقولون هؤلاء أهدى، بل هؤلاء أهدى، فيلبثون في ذلك ما شاء الله أن يلبثوا"(1).
فالأمة أربع أمم:
1- أمة قائمة على الحق، تقاتل وتصبر على شدة البلاءات، ولا تتزحزح عن طريق الحق.
2- أمة قائمة على الباطل، لا ينتفعون بصلاتهم التي تنهاهم عن الفحشاء والمنكر،
فمظاهرهم إسلامية، ولكنَّهم من دون مضمون وآثار عملية في طاعة الله تعالى.
3- أمة يخطئون الحق، ويذهبون إلى الباطل، قال تعالى:
﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ
أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ
يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾
(الكهف: 103 104).
4- أمة مترددة لا يحسمون خياراتهم.
وحدها الأولى هي الناجية، لأنها قائمة على الحق قولاً وعملاً، وتقدم التضحيات في
هذا السبيل.
* أمير المؤمنين عليه السلام:
ورد تقسيم آخر عند أمير المؤمنين علي عليه السلام، يميِّز فيه بين الناجين
والخاسرين، فمن كلام له لكميل بن زياد: "الناس ثلاثة: فعالم رباني، ومتعلم على سبيل
نجاة، وهمج رَعَاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم
يلجؤوا إلى ركنٍ وثيق"(2). فالعالم الرباني، والمتعلم على سبيل نجاة، يمثلان
الناجين، أمَّا العدد الأكبر فهم الخاسرون، لأنهم يقتدون بأيٍّ كان، من دون تدقيق
في صلاحيته للقيادة على طريق الحق.
*روايات أخرى:
ووردت أيضاً روايات عدة، بصيغ مختلفة، تتحدث عن المجموعة الناجية، فتسميها "طائفة
من أمتي"، أو "ناس من أمتي"، أو "عصابة من المسلمين"، كتأكيد على أن النجاة لا تكون
لكل الأمة الإسلامية، نذكر منها ثلاث روايات عن رسول الله صلى الله عليه وآله،
تختلف فيها تسمية المجموعة الناجية:
1- "لا تزال طائفة من أمتي، على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم،
إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك. قالوا: يا رسول الله، وأين
هم؟ قال: ببيت المقدس، وأكناف بيت المقدس"(3).
2- "لا يزال ناس من أمتي، ظاهرين، حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون"(4).
3- "لا يزال هذا الدين قائماً، يقاتل عليه عصابة من المسلمين، حتى تقوم الساعة"(5).
أصبح واضحاً أنَّ المجموعة الناجية هي السائرة على طريق الحق، وتقاتل في سبيل الله
تعالى، وتصبر على الأذى في سبيل الله، وتبقى كذلك حتى يأتي أمر الله تعالى بظهور
الإمام المهدي عجل الله فرجه، وتستمر كذلك إلى قيام الساعة، لا يثنيهم عن عزمهم شيء،
ولا يقف في طريقهم عدو، إنَّهم حَمَلة هذا الدين بكل صدق وأمانة، لا يعيشون الحيرة،
وقد بلغوا الاطمئنان بحسن اختيارهم. هنيئاً لمن عرف قيادته، واقتدى بالولي الفقيه،
وجاهد منتظراً للإمام المهدي عجل الله فرجه بتسليمٍ وطمأنينة، فإنَّه منصور إن شاء
الله تعالى، ومع المجموعة الناجية والمنصورة بإذنه تعالى.
(1) القاضي
النعمان المغربي، شرح الأخبار، ج 3، ص380.
(2) الإمام علي عليه السلام، نهج البلاغة، من كلام له 147،كتاب السيد عباس الموسوي،
ص770.
(3) مسند أحمد، ج 5، ص269.
(4) صحيح البخاري، ج 4، ص187.
(5) مسند أحمد، ج 5، ص98.