مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

تاريخ الكعبة المشرفة


محمد أحمد خشفة


تنفذ من واديها إلى خارجه عبر طرق معينة ومحددة، فهذا الوادي كان محطة لمرور القوافل التي تقطع الصحراء الممتدة من أقصى الشمال بلاد الشام إلى أقصى الجنوب (أراضي اليمن)... إنها مكة المكرمة.. مكة التي عرفت بعدة أسماء (مكة، بكة، أم القرى...) هي مدينة في جزيرة العرب ترتفع عن سطح البحر 330م وترجع عمارتها إلى عهد قديم. في مكة المكرمة، كانت ولادة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله.. وأول الأوصياء بعد النبي صلى الله عليه وآله.. وفي أرجائها انطلقت أول الآيات البينات.. والدعوة النبوية الشريفة.. في مكة عدة مشاهد مقدسة: غار حراء، المسجد الحرام، مقام إبراهيم عليه السلام، بئر زمزم، وفيها الكعبة المقدسة وهي قبلة المسلمين.. وتقع وسط الحرم.. وسط المسجد الحرام..

* الكعبة المقدسة:
تعد الكعبة المقدسة أقدم معبد وأقدم بيت للتوحيد(1)، وموقعها وسط المسجد الحرام ويبلغ ارتفاعها 15 متراً وهي مربعة البناء(2). يعود تأريخها إلى بداية وجود هذا الكون. ومع أول موجود فيه، كان للكعبة شأن خاص: تقول الرواية(3): "فلما هبط آدم إلى الأرض، استوحش لما رأى من سعتها، فقال: "يا رب، أما لأرضك هذه من عامر يسبحك فيها ويقدس لك (يقدسك) غيري؟ فقال الله تعالى: "إني سأجعل فيها من ذريتك من يسبحّ بحمدي، ويقدّس لي، وسأجعل فيها بيوتاً تُرفع لذكري ويسبحني فيها خلقي..." إلى أن قال: ".. أجعل ذلك البيت لك ولمن بعدك حرماً آمناً أحرم بحرماته ما فوقه، وما تحته، وما حوله. فمن حرمه بحرمتي، فقد عظَّم حرماتي، ومن أحلّه فقد أباح حرماتي".
قال الله تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (آل عمران: 96) وتقول الرواية(4): إن الملائكة الكرام وقبل نزول آدم عليه السلام إلى الأرض، حدّدت الموضع كأساس وبناه عليه السلام ليتعبّد لله فيه، فأذهب الله سبحانه الغم عنه واستجاب له ربه فغفر له.

* ما بعد النبي آدم عليه السلام:
بقي الموضع المبارك للكعبة المشرفة معموراً بالطين والحجارة، حيث تولى أبناء آدم عليه السلام تعميره، ولم يزل كذلك حتى زمن النبي نوح عليه السلام فخفي الموضع ودرس بسبب الطوفان. ورغم ذلك، فقد بقي هذا الموضع بعد الطوفان أَكَمَةً حمراء تتوجه الناس إليه بالدعاء حين الحاجة وتتبارك بهذا الموضع المقدس حتى كان عهد النبي إبراهيم عليه السلام(5).

* عهد النبيَّين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام:
يصرّح القرآن الكريم بأنّ الذي بنى الكعبة المشرّفة هو النبيُّ إبراهيم عليه السلام وابنه إسماعيل عليه السلام، والآية تقول: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (البقرة: 127). وحادثة ترك النبي إبراهيم عليه السلام لزوجته هاجر عليها السلام وابنهما إسماعيل عليه السلام معروفة جداً، وامتثال النبي إبراهيم عليه السلام لأمر الله تعالى بذبح ابنه وفديته بكبش عظيم، نتج عن ذلك أماكن ومشاهد مشرّفة في مكة المكرّمة قرب الكعبة المشرّفة مثل: مياه زمزم، أماكن رجم الشيطان، السعي بين الصفا والمروة، تقديم الأضاحي (التضحية) وغيرها.. وباتت هذه المشاهد وأماكنها تحمل رمزاً خاصاً للحاج والمعتمر في الدين الإسلامي. لقد أعاد رفَع القواعد للبيت العتيق إبراهيم عليه السلام وابنه إسماعيل عليه السلام مردِّدَين هذا الدعاء: ﴿... رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (البقرة: 127).

* بعد إسماعيل عليه السلام وأمه هاجر عليها السلام:
تتالت القبائل والأمم حول تلك البقعة المقدسة: جرهم، خزاعة، بنو قصي.. ثم عمرته قريش قبل النبوّة واتخذته مكاناً للعبادة بوضع التماثيل والآلهة العديدة وكان أشهرها (اللات والعزى وهبل..)(6).

* قبل الإسلام:
عمرت الكعبة المشرفة قبل الإسلام عدة قبائل عربية كان آخرها قريش، وتعرضت قبل أربعين سنة من البعثة النبوية إلى كيد أبرهة الحبشي الذي أراد هدمها.. لكن الله تعالى رد كيده. وقبل 5 سنوات من البعثة، هدم سيلٌ كبير الكعبة المشرفة فأعادت قريش (المتوكلة بسدانتها) بناءها واختلفت حول من يعيد الحجر الأسود من القبائل إلى مكانه، وكان للنبي محمد صلى الله عليه وآله الفضل في حل الخلاف، إذ وضع الحجر في رداء أمسكت أطرافه مختلف القبائل ورفعته، ثم أخذ النبي صلى الله عليه وآله الحجر ووضعه في محله(7).

* الكعبة في العهد الإسلامي:
جاء تحويل الكعبة المشرَّفة كقِبْلة للمسلمين كتوجيه كبير للمسلمين ولغيرهم ممن كان ينتقص من شأنية الكعبة بأنّ قبلة المسلمين باتجاه آخر. وعندما هاجر منها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، بدأ التوقيت الهجري تيمُّناً بهجرة النبي صلى الله عليه وآله. ولما عاد المسلمون ودخلوها منتصرين بقيادة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، طُهِّرت الكعبة من رجس الأصنام(8). حدث آخر مهمٌّ حصل قبل البعثة في الكعبة المشرفة يدل على قدسية هذا المكان.. فقد جاءت فاطمة بنت أسد زوجة عبد مناف (أبي طالب) وهي حامل باتجاه الكعبة وتوسلت برب إبراهيم الخليل ورب موسى وعيسى أن يخفف عنها ولادتها ويبارك لها مولودها، فكان انشقاق جدار الكعبة المشرّفة ودخول فاطمة بنت أسد إلى داخل الكعبة وولادة أمير المؤمنين علي عليه السلام، حيث إنه "لا قبله ولا بعده من ولد أو يولد داخل جوف الكعبة أعزها الله تعالى"(9).

* الكعبة المشرَّفة في آخر الزمان:
تتتالى الأحداث حول الكعبة ومكة المكرَّمة.. حتى عصرنا.. عصر الغيبة الكبرى.. حتى ظهور الإمام المبارك عجل الله فرجه.. حيث ستكون انطلاقة ظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه من الكعبة المشرفة أعزها المولى. "فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة واجتمع إليه ثلاثة مائة وثلاثة عشر رجلاً"(10).

* من أسماء الكعبة:
1- الكعبة: سئل النبي صلى الله عليه وآله: "لأي شيء سميت الكعبةُ كعبةً؟" قال صلى الله عليه وآله: "لأنها وسط الدنيا"(11).
2- البيت العتيق: سئل الإمام الصادق عليه السلام عن ذلك فأجاب عليه السلام: "... وإنما سمي البيت العتيق لأنه أعتق من الغرق"(12).
3- البيت الحرام: سئل الإمام الصادق عليه السلام عن ذلك فأجاب عليه السلام: "لأنه حرم على المشركين أن يدخلوه"(13).


(1) تواريخ الأنبياء، اللواساني، ص19.
(2) م.ن.
(3) تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، ج7، ص425 / شرح التوحيد، الشيخ القمي، ط1، ص685 (بتصرف).
(4) شرح التوحيد، م.ن.
(5) تواريخ الأنبياء، السيد اللواساني، ص19 (بتصرف).
(6) النور المبين في قصص الأنبياء والمرسلين السيد الجزائري.
(7) الأماكن المقدسة في العالم، هيئة الأمين، ط1، ص5.
(8) م.ن.
(9) تاريخ ابن الخشاب، ص88، ومروج الذهب المسعودي، ج2، ص349.
(10) المهدي وآخر الزمان، العلامة العوادي، ط1 2000، ص101.
(11) علل الشرائع، ط1، ص398، الشيخ الصدوق.
(12) و(13) م.ن.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع