لم تلتئم جراحاته. ما كان بإمكان روحه التوّاقة للحريّة
أن تُقيَّد على سرير المرض. ما احتمل أن يعيش أسير الجراح، وهو الباحث عن الحريّة.
لطالما أبكته وصاياهم، وطالما أتعبته مشاهد وداعهم، وأوهنته مشاهد أيتامهم، وهو من
يجيد التقاط الصور ويبرع في قراءة المشهد. هم كل ما أحبّ في حياته. لهذا، في كلّ
وداع كان يتمنى أن يكون في الأثر.
جلس بقربها وهو من سكن قلبها. قال لها: "أمّاه أجمل ما في الحياة الصلاة، وأحسن
ما في الصلاة أن تكوني قريبة من صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، وهو أول
المصلّين أول من يرفع يديه بالدعاء، فكوني معه، ولا تنسي أن تطلبي لي من الله
الشهادة في كلّ صلاة. هي يا أمّي كلّ أمنياتي، أريد بها أن أختم حياتي".
خاطب الله في وصيّته: "ربّي إن كتبت لي الجنة أريد تلك... ربّي إن أنعمت عليّ
بالجنّة أنا لا أريد جنّة الخلد والأنهار والنعيم، ليس زهداً بما عندك ربّي، بل
تكفيني جنّة الحسين وجوار الحسين ورؤية الحسين وشفاعته، طمعاً بما تحبّ".
وحينما شقّ الفجر خيوطه أقام الصلاة، ومضى إلى حيث يطيب الرحيل، جراح الرأس ما
منعته أن يحلم، فما سقطت هامته، ما خبت ابتسامته. كيف تخبو وهو العاشق المتيم
بالرسول وآله الكرام؟ كيف تقتله رصاصة؟ كيف يلفّه الظلام؟ ما غفا، كيف لعينيه أن
تناما؟!
شهيد عايش الشهداء في لحظاتهم الحلوة والمرّة، وصاياهم ذكرياتهم، بطولاتهم ودموعهم.
ليصوّر الحدث، أصبح هو الحدث.
فاطمة داوود