الشيخ موسى خشّاب
إنّها وصايا الشهداء: كلمات وأحاديث نبعت من قلوب نورانيّة صافية وعقول واعية
وبصيرة، لا يحجبها ضعف في الفصاحة أو خيانة كلمة هنا وتلعثم هناك. فهي وصايا ناصحة
وناصعة ومخلصة ونقيّة، لا غشّ فيها، مربية وهادفة، ومؤثّرة؛ لأنّها حيكت بخيوط
الصدق. سنضيء هذه الصفحات بكلمات الشهداء النورانيّة، ونُحيي الأوراق الميّتة بجميل
عباراتهم؛ لتكون تذكرةً لنا، وداعيةً إلى مراجعة حساباتنا عندما نضع أنفسنا في
ميزان الشهداء؛ لنرى أين نحن منهم، وأين موضع خطواتنا من موضع خطواتهم.
* وصايا تهزُّ الإنسان وتوقظه
بهذا عبّر الإمام الخميني قدس سره: "عندما أقرأ وصيّة مربّية لشهيد، فإنّني أشعر
بالحقارة والضِعة"، وأضاف قائلاً: "إنّ هذه الوصايا تهزُّ الإنسان وتوقظه".
ذلك الإمام العظيم، رأى في وصايا الشهداء ما يزيل الغشاوة عن عقول الشباب والشابّات
المعارضين للثورة وقلوبهم، فأوصاهم بالاطّلاع عليها؛ ليتعرّفوا على أهداف الثورة،
وليتبيّن لهم مَن يناصر المحرومين والمظلومين. وهذا يدلّ على ثقة الإمام قدس سره
بالتأثير الكبير لهذه الوصايا.
* إيّاكم والدنيا
لا تكاد تخلو وصيّة شهيد من التعرض للحديث عن الدنيا؛ لأنّها رأس كلّ خطيئة، ولأنّ
الابتعاد عنها يعين على التديّن والقرب من الله تعالى. والكلام في مقامَين:
* الأوّل: نظرة الشهداء إلى الدنيا
يعلّمنا الشهداء أنّ الدنيا:
1- "لن تبقى لأحد... إنّما أنتم زوّار فيها وضيوف". (الشهيد حسين علي رضا).
2- "لا حياة هنيئة فيها". (الشهيد جهاد علي سيّد).
3- "جيفة مطليّة بمسك". (الشهيد شوقي محسن).
4- "قاعة درس لا أكثر، وينبغي للفرد أن يؤدّي امتحانه فيها عاجلاً أم آجلاً". (الشهيد
مروان فاعور).
5- لن يأخذ منها أحد؛ "ضعوا يدَي خارج كفني ليرى عبيد الدنيا وأهل العافية أنّني لم
آخذ شيئاً معي". (الشهيد أحمد إبراهيم فضل الله).
* الثاني: كيف نتعاطى مع الدنيا
انطلاقاً من نظرتهم إلى الدنيا، أرشدنا الشهداء إلى كيفية التعاطي الصحيح معها
بكلماتهم تلك:
1- "حرِّروا أنفسكم من ذلّ حبّ الدنيا". (الشهيد الحاج إبراهيم درويش).
2- "إلهي لا تجعل الدنيا همّي". (الشهيد أحمد ابراهيم شمص).
3- "لا تبغوا الدنيا وإن بغتكم". (الشهيد محمّد عباس بحمد).
4- "لا تفكِّروا في المصلحة الذاتيّة الخاصّة -والتي كلّها دنيوية- على حساب
المصلحة الإسلاميّة العامّة". (الشهيد شوقي محسن).
5- "لا معنى لهذه الحياة في ظلّ الاستبداد والظلم". (الشهيد نزار علي صالح).
* الشهادة بلسان الشهداء
أ- بركات الشهادة
مَن أفضل من الشهداء ليتحدّث لنا عن الشهادة وآثارها وبركاتها على الفرد والمسيرة؟
فالشهادة عندهم سلاحٌ لا يُهزم، وأقصر الطرق إلى الله، وولادةٌ جديدة، وعرسٌ أبديّ،
ووقود المسير، وريٌّ لشجرة الإسلام:
1- "تزوّدوا بسلاح لا يستطيع صنعه كلّ الحاقدين المنافقين (سلاح الشهادة)". (الشهيد
سامي عبد الأمير قبيسي).
2- "لولا الشهداء ما استطاعت البشريّة أن تواصل طريقها". (الشهيد علي نديم حسن).
3- "إنّها -والله- الدماء التي ما أن تنزل منها أوّل قطرة حتّى تُغفر جميع الذنوب".
(الشهيد مصطفى محمّد كوراني).
4- "الشهادة نور يضيء للأمّة طريقها، ليخلّصها من كمائن الأعداء المتربّصين بها (الشهيد
علي نديم حسن).
5- "إنّ شجرة الإسلام يابسة وتحتاج إلى ريّ من دمائنا". (الشهيد شوقي محسن).
ب- عشقٌ أزليّ
1- "الشهادة تجري كالدمّ في عروقي. عشقتها ومشيت في دربها". ( الشهيد توفيق علي
حيصون).
2- "الشهادة أهون من شربة الماء في وسط النهار الحارّ". (الشهيد هاشم فخر الدين).
3- "الرحلة جميلة، والأجمل منها رفقة الشهداء وجوار الصالحين". (الشهيد حسين علي
رمضان).
جـ- لننالَ الشهادة
1- العشق: "حبّ الشهادة يجعل الإنسان يذوب في حبّ الله وعشقه". (الشهيد علي سعيد
شعبان).
2- الوعي والبصيرة: "لا تغمضوا عينَي بعد شهادتي؛ ليعلم الذين ران على قلوبهم أنّي
سلكت هذا الطريق عن وعي وبصيرة". (الشهيد مروان طلال فاعور).
"كونوا مع الخطّ، ولا تكونوا مع الأشخاص". (الشهيد محمّد سعد).
3- الصبر: "الطريق التي ارتضيناها لأنفسنا مليئة بالأشواك والألغام". (الشهيد علي
أحمد داغر).
4- الإخلاص: "كونوا مجاهدين مخلصين في عملكم". (الشهيد علي مصطفى فاضل).
5- المسارعة إلى الموت: "من العجز أن أنتظر الموت". (الشهيد أحمد عبد حجازي).
6- عدم الخوف من الموت: "أولياء الله لا يخافون الموت". (الشهيد سعيد علي شلهوب).
د- العلاقة بأهل البيت عليهم السلام
للشهداء علاقة خاصّة بأهل البيت عليهم السلام:
1- فهم إن أرادوا أن يوصونا بالصبر حدّثونا عن الحسين والعباس وزينب عليهم السلام:
"أمّاه، عندما يأتيكِ خبر استشهادي، ارفعي يديكِ إلى السماء قائلة: "اللّهمّ تقبّل
منّا هذا القربان"، ثمّ ارفعي رأسكِ، واصرُخي وقولي: "ولدي عند الحسين عليه السلام،
استشهد دفاعاً عن المقدّسات، [و]عن أعراض الموالين". واشكري الله، واذرفي دموع
الفرح؛ لأنّ الله قد كرَّمك بأن تكوني ممّن يواسون سيِّدتي الزهراء عليها السلام
بولدها الحسين عليه السلام. ولا تحزني، بل افرحي لي بهذه الشهادة، فإنّها نعمةٌ من
الله ينعمها على الخواصّ من أوليائه، [و]إنّي أوصيكِ يا أمّاه بالصبر والدعاء". (الشهيد
رياض منذر).
2- وإن أرادوا منّا الثبات على النهج والخطّ، حدّثونا عن أصحاب الحسين وأهل بيته
عليهم السلام: "وسنبقى معلّقين بنهج محمّد وآله الطاهرين عليهم السلام.. لنصل إلى
معدن العظمة عبر هذه الطريق النورانيّة، طريق الولاء، والسخاء، والإباء، طريق الثأر
من أعداء الله، وأعداء أوليائه، وأعداء الإنسانيّة. فطوبى للسائرين في درب الحسين
عليه السلام ". (الشهيد علي محمود قليط).
3- وإن أرادوا أن يذكرونا بأنّ كلمة الحقّ هي المنتصرة حدّثونا عن ثورة الإمام
الحسين عليه السلام: "تعلَّمنا منه الاستشهاد، تعلّمنا كيف [يكون] انتصار الدم على
السيف، تعلَّمنا كيف المظلوم ينتصر على الظالم، تعلَّمنا أنَّ كلمة الحق تعلو فوق
كلّ كلمة". (الشهيد محمّد حسين بركات).
4- وإن أرادوا أن يؤكّدوا أصالة الهُويّة، حدّثونا عن الانتماء والولاية والاتّباع
لأهل البيت عليهم السلام: "وهنا أتذكّر وصيّة الإمام الخميني قدس سره: نفخر بأنّنا
من أتباع المذهب الجعفري الذي هو رحمة للعالمين". (الشهيد محمّد علي خليل).
"إلى طفلتي الغالية، إلى فاطمة: لقد أسميتك فاطمة تيمّناً بسيِّدتنا ومولاتنا
المظلومة فاطمة الزهراء عليها السلام، ولتعلّقي الشديد بها وبمظلوميّتها، فكوني -يا
حبيبتي- كما تريدكِ الزهراء عليها السلام". (الشهيد غسان حجازي).
* مع إمام زمانهم
للشهداء مع إمام زمانهم عجل الله تعالى فرجه الشريف حكايا وأسرار بقي معظمها سرّاً
بينهم وبينه عجل الله تعالى فرجه الشريف، وممّا أباحوا به:
1- العشق: "سيّدي يا صاحب الزمان، كم كنت أتمنى -سيّدي- أن أكون معك مقاتلاً،
حاملاً سيفي، رافعاً رايات النصر". (الشهيد محمّد أحمد حيدر).
2- الأمل: "واعلم -يا ولدي- أنّه سيأتي يوم لن يبقى للظلم مكان في هذا الكون،
وسيكون العدل سارياً في كلِّ المعمورة، وهذا في دولة سيّدي ومولاي صاحب الأمر عجل
الله تعالى فرجه الشريف ". (الشهيد عاهد محمّد سعادة).
3-الشوق: "سيِّدي إلى متى هذا الغياب؟ إلى متى ونحن نتألّم من وجع الانتظار؟
عجّل سيِّدي، فإنّ لك رجالاً وجنوداً تنتظرك بلهفة وشوق، تبكيك كل يوم وتقول لك:
العجل العجل، يا مولانا يا صاحب الزمان". (الشهيد حسن حسين موسى).
* ولاية الفقيه
"أوصيكم إخوتي المجاهدين بالطاعة المطلقة للقائد الخامنئي دام ظله، ولحجَّة الإسلام
السيِّد حسن نصر الله (حفظه الله)". (الشهيد قصيّ علي عمرو).
الوصية الثابتة في وصايا الشهداء هي اتباع الخطّ والنهج، وطاعة الوليّ الفقيه.
فولاية الفقيه في نظر الشهداء هي كالخيط الذي يحفظ ويجمع حبّات السُبحة الجميلة،
فإن انقطع الخيط ضاعت حبّات السبحة كلّها. وولاية الفقيه هي:
1- درب السعادة: "أوصيكم أن تلتزموا بخطّ الولي الفقيه؛ لأنّه يوصل إلى
السعادة والفوز بالجنّة". (الشهيد يوسف عماد محسن).
2- براءة الذمّة: "خطّ ولاية الفقيه هو امتداد لخط ونهج الإمام عليّ عليه
السلام والأئمة عليهم السلام، وهو حقّاً مبرئ للذمّة". (الشهيد محمّد علي خليل).
3- منهج تربية: "سيروا في هذا الطريق، لكي تنالوا رضوان الله، وحافظوا على
دينكم -دين الإسلام المحمّديّ الأصيل-، وربُّوا أولادكم على هذا النهج". (الشهيد
محمّد عادل أبو الحسن).
4- من أكبر النعم: "ولدي الحبيب، وقبل ذلك الزمان (ظهور المهدي)، عليك
بالتمسّك بولاية الفقيه، التي هي من أكبر النعم التي منّ الله بها علينا". _(
الشهيد عاهد محمّد سعادة).
5- طريق الثبات: "وأخبروا من يسأل: أنّنا باقون على نهج قائد ثورتنا الإمام
روح الله الموسويّ الخمينيّ قدس سره، وأنّنا على العهد مع وليّ أمرنا السيّد القائد
عليّ الخامنئي دام ظله، وأنّنا كما أوصيتمونا، على عهدنا وولائنا للأمين على الدماء".
(الشهيد حسين غدار).
6- خطّ أولياء الله: "إنّ هذا الخطّ [هو] خطّ أولياء الله، خطّ الأئمة، خطّ
الأنبياء، وخطّ الله تعالى، وإلى الله المصير". (الشهيد حسن حسين موسى).
إنّ وصايا الشهداء نبع لا ينضب من المعنويّات، وما على العطاشى إلّا أن يرتووا من
هذا الماء الصافي والعذب، والذي يحوي كلّ ما نتعطّش إليه من قيم في أنفسنا وفي
مجتمعنا ومسيرتنا. وقد حاولنا في هذه العجالة أن نخطّ بعضاً من تلك الحروف
النورانيّة، على أمل أن ينفعنا الله تعالى بها في الدنيا والآخرة.