مهداة للشهيد "جميل الطيري"(*)
استشهد جميل بعد شهرين من حصار البلدتين، وبعد 37 يوماً من تاريخ استشهاد أخيه
ساجد، ودُفِنَ وديعةً في الفوعة بانتظار الفرج القريب، حتّى فُكّ الحصار واستُرجع
جُثمانه الطاهر، ودُفن إلى جانب ضريح أخيه ساجد في بلدته الطيري.
غفا لمدّة، منتظراً رفاقه الذين تركهم بأيدٍ أمينة، نام باكياً على جوعهم وعطشهم،
وعلى تخلّي العالم أجمع عنهم. معاً، تناولوا أوراق الشجر، والخبز اليابس.. عاش جميل
الحصار مرّتين. الأولى، في حرب تموز 2006م، والثانية في الفوعة 2015م، لكنه تحرّر
باكراً، مستعجلاً الرحيل باتّجاه عاملة.
هو ابن 37 سنة، عمر النضوج والبطولة والشجاعة، وأب لثلاثة أطفال ملائكيّين، أحبّ
الشهادة رغم عشقه لهم، عشقها كعشقه الحياة والزوجة والأطفال، والأرض التي ارتوى من
مائها، وتمرّغ بترابها، ولم يترك تلّة من تلالها تعتب عليه صغيراً وكبيراً
ومقاوماً. حتى حطَّ في أقدس تراب في الجنوب.
يوم تحرَّر أهالي كفريا والفوعة، بكته العيون طويلاً، بكته شوقاً إليه، حزناً على
فراقه، وفرحاً بعودته مسبقاً، لكنّه نام في ثرى الطيري، التي قاتل الصهاينة في تموز
لأجلها.
أينام العاشق وعشيقه صاح؟ أيرحل العاشق وعشيقه باق؟ لا.. لم ينم جميل ولم يرحل، بل
منتهى العشق للمحبوب هو أن ننام في حضنه، حضن البلدة، التي هي أمّنا جميعاً.
ما يحزنه، وهو الجميل الحزين حقّاً، نور وياسر وباقر، ما يحزنه والدته الثكلى،
الصابرة، التي ما بخلت، ولكنها طمعت أن ترحل قبل أن ترى يوماً يمرّ دون ولديها
العزيزين بعيداً عنها أو سبقاها إلى الدار الأبديّة.
الموت.. هذا الضيف الثقيل، لم يكن مؤلماً له إطلاقاً، فهو الذي اختبره مرّات
ومرّات، بل اختبر العالم الآخر، ودُفن وديعة في الفوعة الأرض الجديدة.. بسبب الحصار
الغاشم، واستُعيد جثمانه المقدّس في 12 نيسان 2017م.
الله معك.. يا جميل الشهداء.. يا أبا ياسر..
رضا فقيه (شقيق الشهيدين جميل وغسان)
(*) الشهيد جميل فقيه "جميل الطيري"، استشهد في 2015م.