علي ذو علم
"حفّت الجنة بالمكاره وحفّت النار بالشهوات(1)" إنَّ
الحياة الخالدة والسعادة الأبديَّة للإنسان تتحقَّق في عالم الآخرة. وإنَّ الدنيا
والحياة الدنيوية ليست هي المحطة الأخيرة في حياة الإنسان، بل العاقل هو الذي
يفكِّر بعالم ما بعد الموت. وهنا نتساءل: هل يمكن الجمع بين الوصول إلى النعيم
الأخروي والسعادة الخالدة، والانغماس في اللذائذ الدنيوية والشهوات المادية، أم أنَّ
الجمع بينهما خطأ كبير؟ يجيبنا عن ذلك ما نقله الإمام علي عليه السلام عن الرسول
الأكرم صلى الله عليه وآله من أنّ الجنّة حفّت بالمكاره وأنَّ النار حفّت بالشّهوات.
حيث لا يمكن الوصول إلى النّعيم إذا ترافق مع الشّهوات، بل تُرافق الوصول إلى
النعيم والحياة الخالدة الصّعوبات والمشكلات.
* كيفيَّة الوصول إلى الأهداف العليا
لا يمكن للإنسان الوصول إلى الأهداف العليا والأفضل إلا إذا تغاضى عن اللذائذ، على
أن يكون المحرِّك الأساس في مسيرة الوصول إلى الأهداف المتعالية هو الجد والاجتهاد
والعزم والإرادة. هل وجدتم شخصاً ترك آثاراً مفيدة على مستوى الحياة البشريَّة
بجهده وعزمه وإرادته وفي الوقت نفسه كانت تحيط به اللذائذ والأهواء؟ وإذا كان العزم
والإرادة ضروريين لتحقيق الأهداف الدنيوية فإنَّه لا مفرَّ من قبول الصعوبات في
طريق الوصول إلى الأهداف الأخروية المتعالية.
* حلاوة السعادة الحقيقية
لقد أُطلق على طاعة اللَّه تعالى وعبادته اسم "التكليف"، لتَرافقه مع الكلفة
والصعوبات والمشكلات. وأُطلق على الأهواء اسم "الشهوات" لاندراجها في إطار الخضوع
للمتطلَّبات الحيوانية للإنسان. إذاً لا يجب أن نتوقَّع الوصول إلى النعيم والحياة
الخالدة من دون الشدائد والصعوبات، ولا يجب أن نظن أنَّ الشهوات والأهواء لا تؤدِّي
إلى الجحيم. وطبعاً ليس من الجائز الاعتقاد بأنَّ ملاك تعيّن طريق الجنة أو الجحيم
هو صعوبته أو سهولته فقط، فعندما نحسن إلى شخص من دون أن يترافق هذا الإحسان مع
صعوبة ومشقَّة فإنَّ هذا الأمر أيضاً يؤدِّي إلى السعادة والكمال الإنساني، وعندما
يتحمَّل بعضنا الصعوبات والمشقَّات وهم يسعون وراء أهوائهم، فهذا لا يعني أنَّهم
ابتعدوا عن الجحيم. أمّا المقصود من كلام الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله والإمام
أمير المؤمنين عليه السلام فهو تقديم قاعدة كلية يريدان من خلالها أن يبيِّنا
لأتباع فريق الحقّ أن يكونوا على استعداد لتحمّل المشقات والصعاب في سبيل الوصول
إلى الكمال والسعادة. طبعاً وبما أنَّ مراتب الإيمان والتقوى متفاوتة، فإنَّ الشخص
يقترب من اللَّه تعالى بمقدار قدرته على الابتعاد عن الشهوات. هنا تجب الإشارة إلى
أنَّ الصعوبات والشدائد التي ترافق الوصول إلى السعادة هي في الواقع للمبتدئين
بسلوك هذا الطريق ومن هم في أوَّله، أمَّا من قضى مدَّة في هذا الطريق وذاق حلاوة
السعادة الحقيقية واطَّلع على كراهة الأهواء الزائلة فتصبح لديه كراهة واشمئزاز
للأهواء واللذائذ المادية وإقبال على سلوك الحق. أمَّا طريق الجحيم الذي يأتي على
أثر الأهواء والشهوات فإنَّه يؤدِّي بصاحبه، وعلى أثر التكرار وعدم الاطلاع على
الحقائق، إلى الابتعاد عن الطاعة والعبادة لا بل وكراهيتهما. هذه حقيقة يدركها
الأتباع الخلَّص للرسول صلى الله عليه وآله وللإمام أمير المؤمنين عليه السلام،
فكيف بنا بأمير المؤمنين الذي لا تساوي الدنيا وأهواؤها لديه أيَّ شيء على الإطلاق؟(2).
ولو تحمَّلنا الصعوبات في سبيل الوصول إلى النعيم وابتعدنا عن الشهوات والأهواء
التي لا توصل إلا إلى الجحيم، فإنَّنا سنتذوَّق حلاوة هذا الطريق ونقترب أكثر من
أمير المؤمنين عليه السلام.
(1) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج67، ص78.
(2) وهو القائل: "إن دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز"؛ - نهج البلاغة، خطب الإمام
علي عليه السلام، ج1، ص37.