مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

في رحاب بقية الله: شرح دعاء العهد (9): تجديد العهد للإمام


الشيخ محسن قراءتي


"اللَّهُمَّ بَلِّغْ مَوْلانَا الْإِمَامَ الْهَادِيَ الْمَهْدِيَّ الْقَائِمَ بِأَمْرِكَ... وَعَنِّي وَعَنْ وَالِدَيَّ مِنَ الصَّلَوَاتِ زِنَةَ عَرْشِ اللَّهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ وَمَا أَحْصَاهُ عِلْمُهُ وَأَحَاطَ بِهِ كِتَابُهُ... اللَّهُمَّ إِنِّي أُجَدِّدُ لَهُ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِي هَذَا وَمَا عِشْتُ مِنْ أَيَّامِي عَهْداً وَعَقْداً وَبَيْعَةً لَهُ فِي عُنُقِي لا أَحُولُ عَنْهَا وَلا أَزُولُ أَبَداً".
إنّ العلاقة بالإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف لا يمكن حصرها ولا إحصاؤها. وقد مرّ معنا في الحلقة السابقة أنّ الدعاء يتحدّث عن علاقة الصلوات والسلام على الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف بزنة العرش. وفي تتمّة الدعاء، وصلنا إلى العهد الذي يجدّده له الموالي صبيحة كلّ يوم. فكيف شرح الشيخ قراءتي تتمّة هذا الدعاء؟

* وَمَا أَحْصَاهُ عِلْمُهُ
العدّ والإحصاء بمعنى واحد، إلّا أنّ الإحصاء يكون مع الدقّة بحيث لا يفوت القلم شيء. والله تعالى يعلم كلّ شيء بدقة، حتّى عدد أنفاس الخلائق التي تنفّستها أو تتنفّسها.
نقرأ في سورة مريم (الآية 84): ﴿فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا﴾؛ أي لا تعجل بعذابهم فنحن نحسب لهم اليوم والساعات والأعمال وحتّى النفَس، إلى أن يأتي ميعادهم.
وجاء في سورة مريم (الآية 94): ﴿لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا﴾.
وعلى هذا الأساس، فإنّ الإحصاء الدقيق لكلّ أجزاء الوجود بيده تبارك وتعالى، وعلم الله تعالى لا يحيط بالكليّات فقط، بل يحيط بالجزئيّات أيضاً.

* وَأَحَاطَ بِهِ كِتَابُهُ
الله تعالى عالم بكلّ شيء، وفي كلّ الأحوال، ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ (البقرة: 255)، فهو محيط بكل شيء، أمّا سواه: ﴿وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء﴾ (البقرة: 255).
نقرأ في سورة النساء (الآية 126): ﴿وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطًا﴾.
نعم، الله تعالى لديه إحاطة كاملة بجميع مخلوقاته، يعني لديه إحاطة قهر وتسخير، وإحاطة علم وتدبير، وإحاطة خَلق وتغيير.
إنّ ذكر هذا المقطع والتوجّه به في هذا الدعاء أمران مهمّان، لأنّ الإيمان بالإحاطة العلميّة لله تعالى باعثٌ على العمل الحسن من جهة، وزاجر عن العمل السيّئ من جهة أخرى. لذا، اهتمّ القرآن الكريم كثيراً بهذا الأمر.
ونقرأ في سورة الكهف (الآية 91): ﴿كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا﴾. فالإله المستحقّ للعبادة هو الذي يحيط علماً بكل شيء، ﴿وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ (طه: 98).
وعلمه تعالى متعلّق بجميع الجزئيّات، وعلمه دقيق، ﴿ أَحْصَاهُ اللَّهُ﴾ (المجادلة: 6)، وعلمه حضوريّ، ﴿عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ (المجادلة: 6)، وعلمه لا يعلوه غبار النسيان: ﴿أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ﴾ (المجادلة: 6)، وبوساطة علمه يُطلع الآخرين على أعمالهم التي نسوها: ﴿وَنَسُوهُ﴾ وعلمه تعالى بالسماوات والأرض واحد، ﴿يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾ (المجادلة: 7).
والخلاصة: إنّ علمه تعالى ليس إجماليّاً، بل لديه إحاطة وإحصاء كامل بكل شيء.

* العهد المهدويّ
من المضامين الأخرى لهذا الدعاء العهدُ والميثاق مع إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف. و"العهد" في حياة المنتظِر لا بدّ من أن يكون موجوداً بشكل دائم ومستمرّ، والمنتظِر الواقعيّ هو الذي لا يَحول عن عهده مع إمامه.
إنّ قراءة هذا الدعاء في صبيحة كل يوم توجب أن لا ننسى -أكثر من أيّ أحد- أنّنا عاهدنا إمامنا، ولا بدّ من حفظ هذا العهد؛ لأنّ هذا العهد أولى من أيّ عهد آخر.
العهد مع إمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف يعني أن تكون الحياة مبنيّة على أساس رضاه. وطلب رضى الإمام لا بدّ من أن يكون هو أولويّة المنتظرين.

* مقامات عهد المنتظرين
في هذا القِسم من الدعاء، يبيّن المنتظرون للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف عهدهم في مقامات عدّة:
1- اللَّهُمَّ إِنِّي أُجَدِّدُ لَهُ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِي هَذَا:
الميثاق مع الإمام من الهدايا القيّمة في يوم الغدير؛ إذ كان على المسلمين أن يقوموا بوظيفتهم ويبايعوا أمير المؤمنين عليه السلام. كذلك الحال في كل واحد من الأئمة عند تسليم الإمامة، فعلى الناس أن يبايعوه.
البيعة مع الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف أيضاً كانت في التاسع من ربيع الأول عام 260هـ، ومع ذلك يلاحَظ في هذا القِسم من الدعاء الحديث عن تجديد العهد والبيعة، لأنّ المنتظرين الحقيقيين هم من يجدّدون العهد والبيعة مع إمام زمانهم في كل يوم.

2- وَمَا عِشْتُ مِنْ أَيَّامِي:
العلاقة مع الإمام في هذا الدعاء تتجدّد دائماً. لأنّه يقول: "في يومي هذا وفي كلّ يوم".
أحياناً شخص يقول لك: "أنا أحبّك"، ثمّ يغيب عن الأنظار ولا تعود تسمع له حسّاً، وتارة هناك شخص كلّ يوم يتّصل بك ويقول: "فلان، أنا أحبّك". هذا الدعاء يقول: أيّها المهديّ الحبيب، اليوم وفي كلّ يوم، أجدّد بيعتي لك.

3- عَهْداً وَعَقْداً وَبَيْعَةً:
يا إمام زماننا، نحن نعاهدك، بل أكثر من ذلك، نعقد معك عقداً، بل أكثر من ذلك أيضاً، نبايعك على أنّ كلّ ما تطلبه منّا سننفّذه، وسنكون كما تريد.
قيل: إنّ "العهد" هو الحدّ الأقل، و"العقد" هو الحدّ المتوسط، و"البيعة" هي الحدّ الكامل للارتباط بالإمام.
فالعلاقة في هذا الدعاء تتّجه بنا نحو الرشد، لأنّه في البداية يقول: أنا أعاهدك، ثمّ أجري معك عقداً، ثمّ أبايعك. فقد يقوم شخصان بتشكيل عهد بينهما ويعد أحدهما الآخر، ولكن لا يجريان عقداً، ويمكن أن يكون هناك عهد وعقد، لكن لا يوجد تسليم، والدعاء يقول: "وبيعة"، يعني تسليماً. فقوله: "عهداً" يعني التعهد للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، وقوله: "عقداً" يعني إجراء العقد مع إمام الزمان، وقوله: "وبيعةً" يعني البيعة له.

4- لَهُ فِي عُنُقِي:
العلاقة في هذا الدعاء حتميّة، لأنّ الداعي يقول: إنّ هذه العلاقة في رقبتي، وكم هو جميل إبراز هذه العلاقة! يقول: "في رقبتي"، فمن الممكن أن يكون للشخص علاقة ما بآخر، ولكنّه لا يفتخر بها.

5- لا أَحُولُ عَنْهَا:
الحول بمعنى التغيير والتبديل. في هذه الفقرة والتي تليها علامة على ثبات قدم المنتظر؛ لأنّ إحدى السمات الأساسيّة للحياة المهدويّة هي الصمود في مسير الحق، والثبات على الصراط المستقيم في الحوادث والوقائع وعند بروز الفتن.

6- وَلا أَزُولُ أَبَداً:
الزوال بمعنى الانعدام وذهاب الشيء. وهذه العبارة تعني أنّني في عهدي وعقدي وبيعتي لإمام زماني لن أسمح لشيء من داخلي أنْ يغيّرني، ولن أضعف أمام أيٍّ من الشدائد والظروف الخارجيّة. فأنا في مسيري هذا سأبقى ثابتاً وصامداً ولن أنكث بعهدي، فالوفاء بالعهد من صفات المؤمنين.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع