لقد مضى أكثر من نصف شهر رمضان المبارك، الذي يشكِّل فرصة
ذهبيّة، وبقي أقلّ من نصفه الآخر. علينا جميعاً أن نغتنم هذه الفرصة بأفضل ما يكون.
شهر رمضان فرصةٌ للإنابة، وفرصةٌ للعودة إلى الله تعالى، وهو فرصة لتنوير القلب
وجعله غضّاً طريّاً، وفرصة للتضرّع... فلنتضرّع إلى الله تعالى.
* التضرُّع سبيل نجاتنا
لا شكَّ في أنّ كل واحد منكم، وفي أيّ قطاع كان عمله، لديه مشكلات ونواقص وعنده
حاجات. يجب أن نطلب هذه الأمور من الله. مضافاً إلى عملكم وجهودكم، لا شكّ في أنّ
دعاءكم وتضرّعكم أمران ضروريّان ومطلوبان؛ يجب علينا أنْ لا ننسى هذا.
ورد في أدعية عدّة، منها دعاء ليلة الجمعة ونهاره، ودعاء ليلة عرفة ويومه: "ولا
يُنجي مِنك إلَّا التَّضَرُّعُ إلَيك"(1). سبيل نجاتنا هو التضرّع إلى الله تعالى.
كيف يكون هذا التضرّع وسيلة نجاة؟ الأفراد الضعفاء أيضاً قد يتضرّعون أحياناً ولكن
لأناس آخرين، فما الفرق والتفاوت بين التضرّع إلى الله والتضرّع إلى "عباد الله"؟
من المهمّ أن نلتفت إلى أنّ التضرّع إلى عباد الله هو من أجل أن يلينَ قلب الشخص
الذي تتضرّعون إليه، أما التضرّع إلى الله فهو من أجل أن نُليّن قلوبنا، ونُنقذ
قلوبنا من القسوة، وهذا هو سبب النجاة. فإذا خرج القلب من حال القسوة ولانَ فسوف
يكتسب النورانيّة. ونورانيّة القلب هذه هي التي تفتح الطرق أمام الإنسان، وتمنحه
الأمل، وتجعله يُجدُّ ويجتهد ويعمل. وهذه الطريق تهديه إلى الدروب الصحيحة. إذا
وُجدت التقوى سيمُنّ الله تعالى بهدايته على الإنسان. هذه التقوى ناجمة عن تلك
الحال من لطافة القلب ونعومته ونورانيّته. هذا هو أساس المسألة.
* أدعية تُليّن القلوب
جاء في سورة الزمر المباركة (الآية 22): ﴿فَوَيْلٌ
لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾.
هكذا هي القلوب المبتلاة بالقسوة. تذكر هذه الآية أنّ لأصحاب القلوب القاسية الضلال
المبين. ويقول عزَّ وجلَّ في سورة المائدة المباركة (الآية 13) عن بني إسرائيل:
﴿فَبِما نَقضِهِم ميثاقَهُم لَعَنّـٰهُم وجَعَلنا قُلُوبَهُم
قاسِية﴾. مظهر اللّعنة الإلهيّة كان قسوة قلوبهم الناتجة عن أعمالهم
﴿فَبِما نَقضِهِم ميثاقَهُم﴾. نسوا عهدهم مع الله
تعالى ونقضوه. هذه أمور ينبغي الالتفات إليها في مجتمعنا المؤمن، وخصوصاً نحن
المسؤولين الذين تقع مسؤوليّات على عاتقنا في القطاعات المتعدّدة. وفي سورة البقرة
المباركة (الآية 71) يقول تعالى عن بني إسرائيل أيضاً:
﴿ثُمَّ قَسَت قُلوبُكم مِن بَعدِ ذٰلِك فَهِي كالحِجارَةِ أَو أشَدَّ قَسوَةً وإنَّ
مِنَ الحِجارَةِ لَما يتَفَجَّرُ مِنهُ الأنهار﴾. أصبحت قلوبهم أشد
قسوةً من الحجارة. هذه الآية كان يستشهد بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو
يجادل ويُحاجج يهود المدينة ويذكّرهم بماضيهم.
كلّ هذه دروسُ وعيٍ وعبرٍ وموعظةٍ لنا، فيجب أن نسعى ونبذل الجهود. ورد في حديث
قدسي في الكافي الشريف: "والقاسِي القَلبِ مِنّي بَعيد"(2). البُعد عن الله
تعالى أسوأ الآفات بالنسبة إلى الإنسان، ولقسوة القلب مثل هذه الخصوصيّة، فهي تُبعد
الإنسان عن الله. وورد في رواية أخرى: "ما ضُرِبَ عَبدٌ بِعُقوبَةٍ أعظَمَ مِن
قَسوَةِ القَلب"(3).
* نورانيّة القلوب اتصالها بالله
حسناً، يجب الاستفادة من هذه الأيام. شهر رمضان المبارك هو فرصةٌ جيدة. يمكن
الاستفادة من الأدعية في هذا الشهر -سواء الأدعية الخاصة بالأسحار أو تلك الخاصّة
بالأيّام والليالي- وهي أدعية تُليّن مضامينُها قلوبنا، وكذلك الاستفادة من الصيام
نفسه والاهتمام بالواجبات. نحن نحتاج إلى هذا.
إذا غفل مجتمعنا الإسلاميّ والثوريّ عن ذِكر الله والخشوع والتضرّع إليه، فسوف
يتلقّى الضربات بلا شكّ، وسيفشل حتماً. إنّنا لن نصل إلى الأهداف السامية والمطالب
المنشودة إلّا إذا استطعنا مواصلة مساعينا الإيمانيّة والصادقة. وهذا غير ممكن إلّا
عبر التوجّه إلى الله تعالى، وزيادة نورانيّة القلوب من خلال اتصالها بالله تعالى.
هذا هو لبّ الكلام حول اغتنام فرصة شهر رمضان، وهذا هو أساس كلامنا: أنْ ننتبه
ونراقب أنفسنا. الواجب عليّ وعليكم أن نتنبّه ونتوجّه ونستفيد من هذا الشهر ومن هذه
الفرصة. فليالي القدر لا زالت أمامنا.
(*) كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في شهر رمضان المبارك الماضي، بتاريخ
12/6/2017م.
1- من لا يحضره الفقيه، الصدوق، ج1، ص490 (دعاء أبي حمزة الثمالي).
2- الكافي، الكليني، ج2، ص329.
3- تحف العقول، ابن أبي شعبة الحرّاني، ص296.