نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

قصة: سأظلّ طفلة


الشيخ علي حمادي

تحرّكت في أحشائها كأنّها تبحث بشغفٍ عن طريقٍ إلى عالم النور. أطلقت الأمّ صرخةً مدويةً فعلمت أترابها أنّها في المخاض، فأسرعت إحداهنّ إلى القابلة، وما هي إلّا ساعة حتى وُلدت "جليلة" بوجنتين حمراوين وعينين خضراوين أسرَّتْ بهما كلّ نساء القرية اللّاتي تجمّعن حول الوالدة، كما هي العادة في مثل هذه المناسبات.

* حكاية "جليلة"
هناك عند حدود الفقر والمحبّة، لم تنشأ إلّا حياةٌ نقيّة كنقاء ماء البئر في جوف الأرض. و"جليلة" تدور حوله عشرات المرات في اليوم، ثمّ تدلّي رأسها وتصرخ لتسمع صدى صوتها فتؤنّبها أمّها وقد جفلت؛ إذ ظنّتها سقطت.
تمرّ السنون وتكبر العيون وينعم عليها القدر بحضنٍ حنون، فتهفو إلى تلّة قريبة في وسطها نخلة باسقة كأنها كتابٌ سجّل في طيّاته كلّ حكايا القرية وأفراحها وأحزانها.
تجلس هناك في كنف والدها حيث لها موعد مع حكاية جديدة، حتّى صارت "جليلة" والنخلة وحكايا الأب الرؤوف من تقاليد القرية الساكنة.
"كنتُ يا ابنتي فيما مضى تاجراً أسافر وأتنقّل بين البلاد الواسعة. وفي آخر رحلاتي اختطفني بعض اللّصوص، ولمّا سرقوا مالي ومتاعي قيّدوني بالحبال وتركوني في وسط الصحراء. لم أشكّ أبداً في أنّي سأكون طعاماً للحيوانات المفترسة. ومرّ ليل بارد كنت فيه مستسلماً للموت على قارعة اليأس، ولكنّ الصبح مسح على عينَيّ ولم أمت، فبدأت أزحف عشرات الأمتار حتّى اهتديت إلى صخرةٍ مسنّنة وبقيت ساعة أجادلها وتجادلني حتّى انقطع الحبل في يدي ففككت الآخر الذي في رجلي وبدأت أمشي وأحلم ببئر كبئر قريتنا حتّى التقيت برجلٍ عجوز. وقبل أن يرشدني إلى الطريق قال لي جملة واحدة".
"ماذا قال يا أبي؟". قال: "جليلةٌ هي الدنيا في نظر العارفين، وجميلة في عيون التائهين".

وعندما وصلتُ إلى القرية كانت نجمةٌ جديدة تزيّنها وتجلّلها. كنتِ قد ولدتِ يا حبيبتي فعلمتُ أنّ الحياة تولد كلّ يوم من جديد في الأرض وفي الإنسان وفي القلوب مهما بلغت المآسي والعذابات. وعندما نظرتُ إلى عينيكِ قصُرَتْ كلّ مسافات الدنيا ببحارها وصحاريها، وصرتُ مستعدّاً لأن أقطع لأجلك كلّ الصحارى".
هشّت له وهي تركن في حضنه وتضمّ دميتها الصغيرة الغالية في حضنها.

* هجوم همجيّ
وبينما هما في لحظة حنانٍ غامر وإذا بصراخ يتعالى من جهة القرية. نظرا معاً وإذا بالنساء يركضن في كلّ اتّجاه والرجال يسقطون واحداً تلو الآخر كطيور القطا.
وقف هلِعاً، وجعل ابنته وراء ظهره، وحار في أمره، وتسارعت أنفاسه ونبضات قلبه. فكّر في أن يحملها ويركض بها في أيّ اتجاه، ولكنّ خوفه شلّ رجليه وكلّ ما استطاع فعله هو الوقوف خلف النخلة. وما هي إلّا دقائق حتّى كان جسده يحضن النخلة ورأسه يتدحرج باتجاه البئر.
جرّ أحد المهاجمين الطفلة المذهولة من شعرها فسقطت دميتها على الأرض. انحنت لتلتقطها فركل الرجل الدمية برجله وحمل الطفلة ومضى.

* حكاية جديدة بلون الدم
انطلقت آخر حافلة بـ"جليلة" وأمّها وباقي النساء. لم تكن تبكي ربّما من عظم الصدمة، ولكنّها بقيت تنظر إلى النخلة حتّى توارت خلف التلال فعلمت أنّ صورة اللصوص التي تخيّلتها وهي تسمع حكاية أبيها خرجت من جدار المخيّلة لتستقرّ أمام عينيها حكاية جديدة بلون الدم.
"أمي! ماذا سيفعلون بنا؟"، همست في الغرفة المظلمة التي احتوت عشر نساء مع أطفالهنّ.
كانت الأمّ لا تزال تبكي وتنوح ولم تستطع الكلام.
في صبيحة اليوم التالي، وبعد أن فرغوا من ذبح من تبقّى من رجال القرية رأتهم يوزعون النساء على بعضهم كمن يوزّع الحلوى صبيحة العيد.
ولكنهم يقولون إنّه زواج!! تساءلت الطفلة في نفسها: لكنّه ليس كالزواج في قريتنا! هناك تكون الفتاة كالحمامة البيضاء تكاد تطير شوقاً. في قريتنا يأتي الرجل على فرسٍ أبيض ويرفع عروسه على كفّيه إلى صهوة جواده!! في قريتنا يذبحون الخروف في العيد.

* أريد أن أظلّ طفلة
"لماذا لا تأكلين يا عزيزتي؟!". قطع صوت الأمّ، التي استعادت شيئاً من عزمها، أفكارَ الصغيرة الحائرة.
"تفضلي يا حبيبتي!"، قالت وهي تناولها قطعة من الخبز اليابس.
حملت الخبز وأدنته من فمها فتذكّرت كيف كانت تمثّل أنّها تُطعم دميتها خبزاً، وعاد مشهد الدمية الصغيرة أمامها من جديد. يجرّها الشرير فتقع الدمية فتنحني لتحملها فيركل الشرير دميتها ويرحل...
"أمي.. أريد أن أظلّ صغيرةً كدميتي...
فدميتي ركلها الشرير ولم يعبأ بها...".

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع

لبنان

علي

2018-05-04 14:28:49

احسنتم انها قصة محزنة ومعبرة عن حالة الكثير من الأطفال في هذا العالم الموحش. والحمد لله على نعمة وجود الولي الفقيه الذي تصدى لهذا الفكر الضال ، بالدم وبالكلمة