حين يعلم كل الناس، بصدقة تصدَّقت بها، على فقير أو أرملة،
أو مسكين، فهل يفيدك هذا العلم في تعويض هذه الصدقة، أو نيل ما عليها من أجر وثواب،
أو في تزكية نفسك والسموّ بها؟ إن إعلان الصدقة لا يحقق لك شيئاً مما يسبق بل على
العكس ربما يخالطها الرياء، ويغلبها الشعور بالمنّ.
في حين أن إخفاءها لا يحرمك أي ثمرة من تلك الثمرات الثلاث، بل لعله يزيد فيها
ويقويها، ويعظمها.
فتعويض هذه الصدقة مضمون
من الله تعالى، فهو سبحانه وحده الذي يملك أن يضاعفها لك أضعافاً كثيراً
﴿ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَمَا
تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ
اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُون﴾َ
(البقرة/272)،
﴿ إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا
وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن
سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾
(البقرة/271).
الثمرة الثانية بعد التعويض المضاعف: هي الأجر الأخروي العظيم، وهو أيضاً متحقق إن
شاء الله وإن كانت الصدقة خفية،
﴿ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا
وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ
هُمْ يَحْزَنُونَ﴾
(البقرة/ 274). وما أعظمهامن بشارات ثلاث:
1- لهم أجرهم عند ربهم. 2-
ولا خوف عليهم. 6- ولا هم يحزنون.
الثمرة الثالثة: هي تزكية النفس، وهذه تتحقق أكثر مع الصدقة الخفية، لأن النية تكون
خالصة فيها لله، ولا يشوبها رياء، ولا يخالطها عجب، ولا تنمو فيها رغبة في مباهاة،
أو منّ، ومن ثم لا يتبعها أذى، وتأملوا في هذه الآيات الكريمات كيف أن الحكمة ثمرة
للتصدُّق.. يؤتيها الله سبحانه من يشاء من عباده:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا
كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ
الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ
وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ
الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ
وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن
يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ
أُوْلُواْ الأَلْبَابِ َ﴾
(البقر/267- 269).
تبقى لفتة صغيرة، وهي أن
التاجر يخفي رأسماله ويخفى أرباحه، بل يعتبرهما من الأسرار المكينة التي لا يسمح
لأحد بالإطلاع عليها، بل حتى الموظف يخفي راتبه ولا يبوح بمقداره لأحد.
إذاً، كيف يجد المتصدق صعوبة في جعل صدقته خفية، وهو يرجو من ورائها أكثر مما يرجو
التاجر من تجارته، وأكثر مما ينال الموظف من راتب أو مكافأة!..
إن قول الله تعالى صريح في تفضيل الصدقة الخفية على الصدقة المعلنة، وفي أنها
تكفِّر من السيئات:
﴿إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا
الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ
وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرا﴾ٌ
.