الشيخ بسّام محمد حسين
عن جابر بن عبد الله قال: قلت لرسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم: أوّل شيء خلقه الله تعالى ما هو؟ فقال: "نور نبيّك يا جابر، خلقه ثم خلق
منه كلّ خير"(1).
هو نور الله الذي زيّن به العرش وأضاء به الكون، وجعله في صلب آدم يتقلّب في
الساجدين، من صلبٍ طاهرٍ إلى رحم مطهّر، حتّى أخرجه في عالمنا هذا رحمةً للعالمين؛
فكان صلى الله عليه وآله وسلم السراج المنير، والبشير النذير.
وإذا كانت الأيام تقاس بأعظم الأحداث فيها، فإنّ يوم السابع عشر من ربيع الأول شهد
ولادة أعظم الخلائق، وأفضل الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله
وسلم، فهو من أشرف الأيام وأعلاها وأعظمها بركةً وأبهاها.
وازداد نوراً وبهاءً بعد عقود من الزمان بولادة سبط النبي المطهر الإمام جعفر بن
محمد الصادق عليه السلام، الذي يرجع فضل انتشار مذهب أهل البيت عليهم السلام إليه
حيث عُرف أتباعهم على مدى العصور باسمه، وقيل لهم "الجعفريّة".
وقد تحدثت الروايات عن فضل هذا اليوم ودعت إلى الاهتمام به، كأحد الأيّام الأربعة
في السنة التي اشتهرت بأحداث عظيمة ومناسبات جليلة تستحقّ الالتفات إليها والوقوف
عندها، وهي: يوم المبعث الشريف، ويوم المولد الشريف، ويوم الغدير، ويوم دحو الأرض.
وقد ورد استحباب صومها، شكراً لله تعالى على عظيم نِعمه فيها، وفي ذلك ورد عن أئمة
الهدى عليهم السلام أنّهم قالوا: "من صام يوم السابع عشر من ربيع الأول -وهو
مولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم- كتب الله له صيام سنة"، وفي
بعض الروايات: "ستّين سنة"(2).
وعن الشيخ المفيد في كتابه مسار الشيعة أنّه قال: "اليوم السابع عشر من ربيع الأوّل
كان مولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يزل الصالحون من آل محمد عليهم
السلام على قديم الأوقات، يعظّمونه، ويعرفون حقّه، ويُراعون حرمته، ويتطوّعون
بصيامه"(3).
وإذا كنّا نرى أن الإيمان بهذا النبي العظيم ركن من أركان الاعتقاد، وأصل من أصول
الإسلام، لا يقبل الله إيماناً ولا إسلاماً إلّا به صلى الله عليه وآله وسلم، وأنّ
الشهادة بالوحدانيّة لا تنفكّ عن الشهادة بالنبوّة..
وإذا كنّا نرى أنّه أفضل الخلق وخاتم النبيّين وأعظم البرايا أجمعين، والشافع يوم
الدين، وما لا يُعدّ ولا يُحصى من الصفات والفضائل والكمالات التي يتحلّى بها وجوده
العظيم.
إذا كنّا نرى ذلك كلّه، فلماذا هذا التقصير في الاهتمام بيوم مولده الشريف؟ ولماذا
يدأب أحدنا بالاهتمام بيوم مولد ابنه أو ابنته أو زوجه أو زوجته أو والدته أو والده
أكثر من الاهتمام بهذا اليوم العظيم؟!
أليس هذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي نفديه بآبائنا وأبنائنا وأموالنا
وأنفسنا؟! أليس هذا هو النبي الذي يُذكر في الأذان عند كل صلاة، ولا تصحّ صلاة بدون
ذكره؟!
أليس هذا هو النبي الذي كلّما ذكر اسمه في مجلس، صدحت أصواتنا بالصلاة عليه وعلى
أهل بيته؟!
أليس هذا هو الرسول الكريم الذي نسأل الله تعالى شفاعته يوم القيامة؟!
فحريّ بنا أن نهتم بهذا اليوم وبإحيائه بالعبادة والأعمال اللازمة، والاهتمام بذكره
صلى الله عليه وآله وسلم وبنقل سيرته وأحاديثه وأخلاقه لتجسيدها في حياتنا، ثمّ
بتزيين بيوتنا وأحيائنا، وتوزيع الحلوى وإضاءة الشموع، ومحاولة إشاعة أجواء الفرح
والسعادة، وإدخال السرور على قلوب المؤمنين. فهذا كلّه من شأنه أن يجعل النور في
دربنا ويهدينا في دنيانا وآخرتنا.
فما أعظم "حبّ محمّد"!
1.بحار الأنوار، المجلسي، ج 15، ص 24.
2.وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج 7، ص 336.
3.(م.ن).