صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

نور روح الله: لقاء الله وخرق الحُجب(*)




بعدما تبيّن المقصود من "لقاء الله"، في العدد السابق، هل نستطيع أن نفهم القصد من كلام الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في دعاء كميل الذي يقول "فهبني صبرتُ على عذابك فكيف أصبرُ على فراقك"(1)؟ هل أن تحرّق وتألّم أولياء الله لفراق الحور العين وقصور الجنة؟ وهل يمكن تفسير كلام الأمير عليه السلام في هذه الجملة: "ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنّتك، ولكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك"، على أنّ هذا الأنين من جرّاء الفراق عن الجنّة وأطعمتها؟ هيهات أن يكون ذلك، إنّه لكلام غير موزون، وتوجيه غير مقبول. فما جدوى هذه التوجيهات والتأويلات البعيدة؟

هل يمكن القول إنّ التجلّيات التي حصلت للأنبياء عليهم السلام، والتي ورد ذكرها في الأدعية المعتبرة هي من قبيل النعم والمأكول والمشروب أو البساتين والقصور؟

* مسجونون في بئر مظلمة
من المؤسف أنّنا نحن المساكين، المسجونين في الحجب المظلمة، والمصفّــدين بسلاســل الآمال والأمنيــات، لا نفهـــم إلّا المطعومات والمشروبات. وإذا أراد فيلسوف أو عارف أن يرفع هذه الحجب، اعتبرنا سعيَه هذا خطأً. وما دمنا مسجونين في البئر المظلمة -عالم المُلك- لن نستوعب شيئاً من أصحاب المعارف والمشاهدات.

* باب معرفة الله
ولكن عزيزي: لا تقارن نَفسك مع الأولياء، ولا تظنّ بأنّ قلبك يضاهي قلوب الأنبياء عليهم السلام وأهل المعارف. إنّ قلوبنا ذات غبار التعلّق بالدنيا، وملذّاتها، وإنّ انغماسنا في الشهوات يمنع قلوبنا من أن تكون مرآةً لتجلّي الحقّ سبحانه، ومحلّاً لظهوره. ومن المعلوم أننا لا نعي شيئاً من تجلّيات الحقّ وجماله وجلاله عندما نشعر بالأنانيّة والذاتيّة والمحوريّة، بل، يجب أن نُكذّب في هذه الحال أحاديث الأولياء وأهل المعرفة، فإنْ لم نكذّبها بألسنتنا في الظاهر، كذّبناها في قلوبنا. وإنْ لم نجد سبيلاً للتكذيب، بأن كانت أحاديث النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أو الأئمّة المعصومين عليهم السلام، لفَتحنا باب التأويل والتفسير، وفي النهاية نسدّ باب معرفة الله.

فنفسّر قولَه: "ما رأيتُ شيئاً إلا ورأيتُ الله معه وقبلَه وفيه" على رؤية الآثار. وقوله في آياته الكريمة التي تتحدث عن لقاء الله، بلقاء يوم الجزاء، وقوله "لي مع الله حالة" بحالة الرقّة في القلب، وقوله "وارزقني النظر إلى وجهك الكريم" وتأوّه الأولياء وتحرّقهم في معاناة الفراق، بالبعد عن الحور العين، وطيور الجنّة. وهذه التفاسير لا تكون إلّا نتيجة أنّنا لا نكون رجال تلك الساحات، ولا نفهم إلّا المتع الحيوانيّة والجسمانيّة دون غيرها، ولهذا نُنكر جميع المعارف. وهذا الإنكار هو الذي يُفضي إلى غلق باب كلّ المعارف، ويحجزنا عن السعي والطلب، ويجعلنا نقتنع بمستوى الحيوانيّة والبهيميّة، ويحرمنا من عوالم الغيب والأنوار الإلهيّة.

* درجة من الكمال
أصبحنا نحن المساكيـــن المحروميـــن نهائيّــــاً من المشاهدات والتجليات، في منأى حتّى عن الإيمان بهذه المعاني، التي هي درجة من الكمال النفسيّ والتي يمكن أن تسوقنا إلى مرحلة متقدّمة.

نهرب من العلم الذي قد يكون منطلقاً وبذرة للمشاهدات، ونغلق عيوننا وأسماعنا نهائياً، ونضع القطن في آذاننا حتّى لا يتطرّق كلام الحقّ إليها. وإذا سمعنا حقيقةً من لسان عارف هائم أو سالك حزين أو فيلسوف متألّه، نتصدّى فوراً؛ نتيجة عدم طاقة آذاننا على استماع تلك الحقيقة، ونتيجة أنّ حبّ النفس يمنعنا من جعل هذه الحقائق أسمى من قُدرة استيعابنا لها ونتصدّى فوراً للطعن فيه ولعنه وتكفيره وتفسيقه، ولا نأبى من قذفه بأيّ غيبة أو تهمة.

يقول شيخنا العارف الشاه آبادي (روحي فداه): "لا تلعنوا الأشخاص حتّى الكافر الذي مات من دون أن تعرفوا على أيّ دين مات، إلّا إذا أخبر وليّ معصوم عن حاله بعد الموت، إذ من الممكن أنّه أصبح مؤمناً لدى سكرات الموت، فالعنوا بصورة عامّة وكليّة".

* لو لمْ نرد الحجاب لم نتعلّم
إنّني أيضاً لا أعتقد كثيراً بالعلم فقط. إنّ العلم الذي لا يُفضي إلى الإيمان أراه الحجاب الأكبر، ولكن لو لم نرِد الحجاب ولم نتعلّم لما تمكّنا من خرقه.
إنّ الطريق الطبيعيّ لمعرفة الله وطلبه هو أنّ الإنسان يبتدئ أولاً بإنفاق وقت في التفكّر بالحقّ سبحانه، ويحصل على العلم بالله وأسماء ذاته المقدّس وصفاته حسب الأساليب المتّبعة من التلمذة على يد رجال ذلك العلم، ثم يتزوّد من المعارف بواسطة الرياضة العلميّة والعمليّة، وينتهي بذلك حتماً إلى النتيجة المنشودة.

وإنْ لم يكن الإنسان من أهل المصطلحات -العلم- يستطيع أنْ يصل إلى النتيجة من خلال تذكّر المحبوب، وانشغال القلب بالذات المقدّس. ومن المعلوم أنّ مثل هذا الإنشغال القلبيّ، والتوجّه الباطنيّ سيكون سبباً لهدايته وأن الله سبحانه سيعينه في ذلك، وأن حجاباً من الحجب سيُرفع له، ولعلّ الله سبحانه يفتح عليه ببركة عناياته الخاصّة، باباً من المعارف إنّه وليّ النعم.


(*) الأربعون حديثاً، الخميني قدس سره، تتمّة الحديث الثامن والعشرين.
1.مفاتيح الجنان، دعاء كميل.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع