مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مناسبة: أطفال تمّوز أبطال اليوم


زينب صالح خشاب


كانوا أطفالاً، قوتُهم انتظار، وسماؤهم قذائف ورصاص. طعامهم مغمّسٌ برائحة الركام وشرابهم خوفٌ لا يميّز تواتر الأيام..

هم أطفال تموز 2006م، الذين استيقظوا على حربٍ ضارية لم تميّز لهم براعم براءة ولا رغبةً في سلامٍ أو أمان.. هم الذين تلقَّوا هدايا الموت من العدوِّ الصهيونيّ فجعلوا منها جياد عزم وإرادة وتحدٍّ لمواجهة العدوّ التكفيري.. كبروا وكبُر معهم حلم الجهاد حتّى غدوا رجال المهمّات الصعبة في كلّ الميادين..

•ذكريات جعلتهم أبطالاً
هم الشهداء والمقاومون والجرحى الذين نقدّم لهم في تموز الـ2017م عربوناً، مِسْكُه ذكرياتٌ جعلت منهم أبطالاً.

في الوقت الذي سجّلت فيه مستشفيـــات العــدوّ الصهيونيّ إبان عدوان تموز 2006م حالات من الاضطرابات النفسيّة عند جنودٍ عاينوا الحرب ضدّ المقاومة، سجّـــلت صفحـــات التاريخ بطولاتٍ لرجالٍ صنعتها أحداث ذلك العدوان الضاري على لبنان. فكثيرٌ من أطفال ذاك الزمن، لم ينزووا في ذكرياتهم الأليمة، بل دخلوا عالم التدريب والقتال في السنوات اللاحقة، وهدفهم دَحر كلّ عدوان.

•زَرعٌ نما...
كان القصف قاسياً جداً على عيتا الشعب، ما اضطرّ أهالي القرية بمعظمهم إلى ترك بيوتهم والمغادرة نحو قرى وأماكن أكثر أمناً. فخرج "خليل بشير جميل" ابن الرابعة عشرة مع عائلته، واستقرّوا في قرية رميش الحدوديّة، حيث كانوا يسمعون أصوات كلّ الضربات التي تتساقط على قريتهم الأم. "ليتني في عيتا الآن، ليتني أقاتل مع الشباب". كانت هذه العبارة لا تفارق لسان خليل، الفتى الذي لم يكن يعرف حمل السلاح بعد، ولم يكن قد تدرّب على فنون القتال لصغر سنّه.

"في رميش، عشنا في غرفة واحدة، بأدنى مقوّمات الصمود، حيث عانينا من ضيق المكان وقلّة الطعام والماء. عاين خليل هذا كلّه، ما زاد الكره في قلبه اتّجاه العدوّ الصهيوني"، كما تقول شقيقته حوراء.

بعد عدوان تموز بعامٍ واحد، التحق خليل بركب المقاومة، وبالدورات التدريبيّة. وعندما اندلعت المواجهات في الشام، كان من المجاهدين فوق تلك الأرض المقدّسة وقد أبى أن يتكرّر العدوان علينا، وعلى أرضٍ دُفنت فيها العقيلة زينب عليها السلام، خاصةّ أنّ المقاومة مبدأ زُرع في نفوسنا منذ الصغر.

حقّق خليل مبتغاه ونال الشهادة التي طالما حلم بها ليوارى جسده الطاهر في الثرى في الـ2016م، عن عمرٍ لا يناهز الثلاثة والعشرين عاماً.

•عشق المقاومة
"ليتني في مشغرة الآن.. ليتني أقاتل مع الشباب". لم تفارق هذه العبارة لسان حسين، الطفل الذي لم يتجاوز العاشرة في حرب تموز 2006م، "فكان ينام ويستيقظ على هذه الأمنية، ويمسك بأثواب المجاهدين القادمين من مشغرة يريد الالتحاق بهم والذهاب معهم".

وسرعان ما التحق بصفوف المقاومة بعد سنوات، ليكون في المواجهات وفي الصفوف الأماميّة في حلب، وكلّما اشتدّ القتال كان يقول لقائده: "هيّا نذهب، هيا نقاتل، فيجيبه: انتظر.. حتّى إذا احتدمت المواجهات كانا من الأبطال، واستشهدا معاً في الوقت ذاته، عشقاً ودفاعاً عن الخطّ الواحد الذي يمتد من قتال الإسرائيليّ إلى قتال التكفيريّ"، كما تتحدّث أمّ الشهيد.

•ليتني مقاومٌ
"كنتُ فتى في حرب تموز، لم يتجاوز عمري الثالثة عشرة. ورغم أنّي كنتُ أعيش في قرية حدودية إلّا أنّي لم أكن أعرف شيئاً عن المقاومة. كنت أعلم بوجود حزب الله ورجاله، لكنّني كنت بعيداً عن أيّ تفاصيل أخرى"، يقول نسيم (25 عاماً).

ويضيف: "عندما تركنا القرية وبدأنا نبتعد عن القرى الحدوديّة، شعرت بأنّ قلبي ينسلخ من مكانه، وقلت لأخي الذي كان يُشاطرني الإحساس ذاته: ليتنا نبقى في الجنوب يا أخي، وليتنا مقاومَيْن نعرف حمل السلاح حتّى نحارب. شعرت أنّي أحب أنْ أكون جزءاً من هذه المقاومة. وفي أيام التهجير، صرنا نسمع كلام الأمين العام، ونسمع أخبار الشهداء، ما زاد تعلّقي بهذه المقاومة. وعندما عُدت إلى قريتي، رأيت الدمار الهائل الذي سبّبه العدوان؛ ما أثار الدوافع عندي وعند أصدقائي للانضمام إلى المقاومة لمحاربة العدوّ الصهيونيّ كي ندافع عن الأرض ضدّ أيّ عدوانٍ قادم، كما زاد اندفاعنا بسبب ما بتنا نسمعه عن معنويّات المجاهدين، وأخبار الشهداء، ومدى تعلّقهم بأهل البيت عليهم السلام وعشقهم لله، فصرنا نسأل أنفسنا: أيّ جوٍّ رائع تتمتّع به هذه المقاومة؟!".

جميع هذه الأمور جعلت "نسيم" ينخرط في الدورات التدريبيّة، ويمضي وقت فراغه وعُطَلَه في المرابطة، إنْ في قريته أو في أراضي الدفاع المقدّس، إلى جانب دراسته العلميّة، حاله حال معظم المجاهدين الشباب، "قبل الدخول في معارك سوريا، كانت الحرب بالنسبة إلينا أفكاراً وفرضيّات. وبعد أن صرنا نلتحق بالجبهات هناك، صرنا نتدرّب أكثر على المواجهة القادمة ضدّ العدوّ الصهيونيّ، الذي إنْ دخل معنا في حرب جديدة، لن يبقى في هذا الوجود مطلقاً".

•المقاومون سرُّ أماننا
"كنتُ طفلاً لم يتجاوز عمري السبع سنوات في حرب تموز 2006م. لكني ما زلت أذكّر جيداً:
كنّا نسكن أيام الحرب الأولى بيتاً في قريتنا الحدودية، وكنت أقف أمام النافذة فأرى شباباً صغاراً في السنّ، يتنقّلون بحذر من بيتٍ إلى آخر، تخفّياً من طائرة الـ"إم كا"(1). وكنتُ أتساءل: أيّ جرأة يمتلك هؤلاء؟! فأنا الجالس تحت سقف بيتي أشعر بالخوف الشديد. وكانت أمي تقول دائماً: نحن نجلس تحت سقف يا بنيّ، أمّا هم فلا سقف لديهم سوى السماء. هذه هي المقاومة كما عرفتها في أوّل صورها.

وقبل مغادرتنا القرية، جاء ابن خالتي، أعطانا بعض الطعام وأمّن لنا القليل من الوقود للسيارة، وطلب منّا الخروج؛ لأنّ المكان ليس آمناً لنا، نحن العائلات والأطفال. كان يبتسم ويتكلّم بثقةٍ عالية. كانت هذه المرّة الأخيرة التي رأيته فيها قبل أن يصبح شهيداً، وتخترق صورته ذاكرتي كالرصاصة، ما جعل الانتساب إلى المقاومة حلماً أسعى إلى تحقيقه، فانخرطت في الدورات التدريبيّة فور بلوغي الخامسة عشرة. كنتُ أريد أن أكون سرّ الأمان للناس في الحروب المقبلة، كما كان المقاومون سرّ أماننا".

•لن نُبقي له أثراً
يتحدّث منير عن إصابته منذ عامين، قائلاً: "الإصابة نعمة بالغة من الله تعالى، تخيّل أن يمنّ الله عليك بجراح تواسي بها أهل البيت عليهم السلام.. هذه الجراح تعطي دافعاً أكثر نحو المسير قدماً في نهجنا المقاوم".

ثم يتحدّث عن حرب تموز، وعن الأسباب التي دفعته بعد الحرب إلى الالتحاق بالمقاومة قائلاً: "إنها مسيرة واحدة وخطّ واحد. حرب تموز 2006م جعلت كل الجيل الجديد من الفتيان والأطفال يشعر بأهميّة التدرّب والالتحاق بالجبهات. وعندما اندلعت الأحداث في سوريا، شعرت بضرورة الدفاع عن البقاع المقدّسة وعن المحرومين والمستضعفين، كما دافع الرجال عنّا في تموز. إنّه واجب سيسألنا الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف عنه عند الظهور، فبماذا سنجيب إن تقاعسنا عن الدفاع؟!".

يختم بالقول: "قتال الإسرائيليّ هو حلم الكثيرين، حلم كلّ الشباب.. صار الجميع يشعر أننا في سوريا نتدرّب أثناء مواجهة العدوّ التكفيريّ، كي نواجه الإسرائيليّ بثقة وثبات أكبر. إنّه العدو الذي لن ندعه يخرج سالماً في أيّ حرب مقبلة، بل لن يبقى له أثر".


(*) الأسماء الواردة للمجاهدين الأحياء مستعارة، ولا تدلّ على أصحابها الحقيقيين.
1.الـ"إم كا": طائرة التجسس الإسرائيلية، "M.K".



 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع