مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

شخصية العدد: المحدِّثُ القمّي: صاحب المفاتيح


الشيخ أمين يوسف

"كنّا نسكن غرفةً واحدةً في بعض مدارس النجف، ونعيش سويّة، ونتعاون على قضاء لوازمنا وحاجاتنا الضروريّة، حتّى تهيئة الطعام. وبقينا على ذلك بعد وفاة شيخنا [حسين النوري (ت 1320هـ.ق)] أيضاً، ونحن نواصل القراءةَ على مشايخنا الأجلّاء الآخرين... وقد عرفتُه خلال ذلك جيداً، فرأيتُه مثالَ الإنسان الكامل ومصداقَ رجل العلم الفاضل. وكان يتحلّى بصفاتٍ تحبِّبُه إلى عارفيه، فهو حَسَنُ الأخلاق جمُّ التواضع، سليم الذات، شريف النفس، يضمُّ إلى غزارة الفضل تقىً شديداً، وإلى الورع زهداً بالغاً، وقد أنِسْتُ بصحبته مدّةً، وامتزجتْ روحي بروحِه زمناً"(1).
آغا بزرك الطهراني

* في خدمة الإسلام
بهذه الكلمات يُعرِّف الشيخ آغا بزرگ الطهراني (ت 1389هـ.ق) معاصرَه ورفيقَ دربه الشيخ عباس القمّي (ت 1359 هـ.ق). ويقولُ أيضاً: "وكان دائمَ الاشتغال، شديدَ الولع في الكتابة والتدوين والبحث والتنقيب، لا يصرفُه عن ذلك شيءٌ، ولا يحولُ بينه وبين رغبتِه فيه واتّجاهِه إليه حائلٌ"(2).
رحم الله الشيخ عباس القمّي من رجلٍ عالم فاضل وقدوة، قدّم الكثيرَ في خدمة الإسلام، وبذل وسعَه وجهدَه في هذا الطريق، فخلّف وراءه تراثاً عظيماً في مواضيعَ إسلاميّةٍ عدّة؛ إذ فاقت مصنّفاتُه الخمسين بحسب ما عدّدها الشيخ آغا بزرگ(3). وعدّ له الشيخ محمد هادي الأميني (ت 1421هـ.ق)، نجلُ العلّامة الأميني (ت 1390هـ.ق) صاحب كتاب "الغدير"، ستين مؤلَّفاً(4).

* عجباً لحُسنِ خلقِه وتواضعِه!
قد صدق الشيخُ الطهراني حين وصفه بأنه "جمّ التواضع"، وأبرز مثال على تواضعه أنّه عندما كان في حدود الأربعين من عمره، كان مشغولًا بتدوين كتابه "الفوائد الرضويّة في أحوال علماء المذهب الجعفريّة"، وهو كتاب رجاليّ يترجم فيه لعلماء الشيعة، صنّفه بالترتيب الأبجديّ، فلما وصل إلى اسمه قال: بما أنّ هذا الكتاب الشريف إنّما هو لبيان أحوالِ العلماء، فلم أرَ من المناسب أن أُدرجَ ترجمتي فيه؛ فأنا أحقر وأقلُّ من أن أكون في عِدادهم؛ ولذا أكتفي بذكر مؤلَّفاتي(5).

* قصة منازل الآخرة
ومن القِصص الجميلة والمشهورة التي تدلّ على تواضع الشيخ عبّاس، ما نقلَ عنه ابنُه أنه قال له: عندما ألَّفتُ كتاب "منازل الآخرة والمطالب الفاخرة"، كان ثمّة شيخٌ في قم يُعرف باسم عبد الرزّاق، يتواجد بشكل دائم قبل الظهر في الصحن المطهّر لحرم السيّدة المعصومة عليها السلام، ويوضِّحُ الأحكام الشرعيّة للناس. وكان والدي المرحوم "الكربلائي"(6) محمد رضا من المولعين بمنبر الشيخ عبد الرزّاق، لدرجة أنه كان يحضرُ يوميّاً في مجلسه. وكان الشيخ بعد طرح المسائل الشرعيّة يفتح كتاب "منازل الآخرة..." ويقرأ للمستمعين والحاضرين من الروايات والأحاديث الواردة فيه.

في أحد الأيام، أتى والدي إلى المنزل وناداني وقال: شيخ عبّاس! ليتك تصبح مثل الشيخ عبد الرزّاق، ليتك كنت تستطيع أن تعتلي المنبر وتقرأ لنا أيضاً من ذاك الكتاب الذي يقرأ منه.
فأردتُ لمرّات عدّة أنْ أقول لوالدي إنّ هذا الكتاب من مؤلّفاتي، ولكنّي امتنعت كلّ مرّة ولم أتكلّم بشيء، وكنتُ أطلبُ منه فقط أن يدعو الله أن يوفّقني(7).

* من هو؟
هو الشيخ عبّاس بن محمد رضا بن أبي القاسم القمّي(8)، وُلد -بحسب الظاهر- عام 1294هـ.ق، في قم، "وقرأ فيها مقدّمات العلوم وسطوح الفقه والأصول"(9). هاجر عام 1316هـ.ق إلى النجف، وبدأ يحضُر حلقاتِ دروسِ العلماءِ فيها؛ إلّا أنه لازم ميرزا حسين النوري (ت1320هـ.ق)، وكان يصرفُ معه أكثرَ وقته، يستنسخُ مؤلّفاتِه ويقابلُ بعض كتاباتِه(10).

تشرَّف القمّي في عام 1318هـ.ق بالحج وزيارة قبر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم. وفي عام 1320هـ.ق توفّي الشيخ النوري فعاد عام 1322هـ.ق إلى قم، ومكث فيها وواصل أعماله العلميّة، وانصرف إلى البحث والتأليف. ثم حجَّ مرة ثانية عام 1329هـ.ق. وفي عام 1331هـ.ق رحل إلى مشهد واتّخذ منها مقرّاً له، وانصرف فيها إلى التصنيف والكتابة وطباعة مؤلَّفاته(11).

* تأسيس الحوزة العلميّة في قم
في حدود عام 1340هـ.ق زار الشيخُ المؤسِّسُ(12) عبدُ الكريم الحائري (ت 1355هـ.ق) مدينةَ قم، وطلب منه أهلُها وعلماؤها البقاء فيها لتشييدِ حوزةٍ علميّةٍ ومركزٍ دينيٍّ، فأجابهم إلى ذلك. و"كان المتَرجَم له [الشيخ عباس] من أعوانه وأنصاره؛ فقد أسهمَ بقسطٍ بالغ في ذلك، وكان من أكبرِ المروِّجين للحائري والمؤيِّدين لفكرته والعاملين معه باليد واللسان"(13).

* ثلمةٌ في الإسلام
توفّي الشيخ عبّاس بعد انتصاف ليلة الثلاثاء الثالث والعشرين من ذي الحجّة عام 1359هـ.ق(14)، عن 65 سنة، ودُفن في صحن الإمام عليّ عليه السلام في الإيوان الثالث(15) بالقرب من المكان الذي دُفن فيه أستاذُه الشيخ النوريّ.

* إحالة
يطولُ الحديثُ بنا عن الشيخ عبّاس القمّي، ومهما ذكرنا تنحني كلماتُ الثناء والتبجيل والتعظيم أمام عظمةِ هذا الشيخ وإخلاصِه وعلمِه، ولكن أكتفي بما تقدّم -على اختصاره- مراعاةً للمقام. ولكي لا يبقى القارئُ متعطِّشاً، أُحيلُه إلى بعضٍ من الترجمات الكثيرة التي تناولت تفاصيل حياة الشيخ عبّاس، والتي كلما كنتُ أبدأُ بقراءتها تمرّ الساعات كأنّها دقائق(16).

* جودُ اليَراع
أكثر المؤلّف في التأليف وأجاد؛ فصارت مؤلّفاتُه محطَّ أنظارِ العلماء واهتمامهم، ومرجعاً يَعتمد عليه المؤلّفون والباحثون، وقد عدّ منها بنفسه 55 كتاباً عندما ترجم لنفسه في كتابه "الفوائد الرضويّة..."، وكان عمره بحسب ما يذكر حوالي 40 عاماً(17). ومن مؤلّفاته:
1- سفينة البحار ومدينة الحكم والآثار.
2- الكنى والألقاب.
3- منازل الآخرة.
4- نَفَس المهموم في مقتل الحسين المظلوم.
5- منتهى الآمال في ذكر مصائب النبي والآل.
6- الدرُّ النظيم في لغات القرآن العظيم.

* للجنّة مفاتيح
اشتهر كتابه "مفاتيح الجنان" في الأدعية والأوراد والأذكار والزيارات وأعمال الأيام والشهور. وهو أشهر آثاره بين الناس. كتبه الشيخ باللغة الفارسيّة، وتُرجم إلى لغات عدّة، وطُبع عشرات المرات وبآلاف النسخ. ولا نبالغ إن قلنا إنَّ هذا الكتاب يُعتبر في المرتبة الثانية بعد القرآن الكريم من جهة تواجده وتداوله في أكثر بيوت الشيعة ومساجدهم وعتبات أئمّتهم المقدَّسة.

ويبدو أنّ الشيعة في زمان الشيخ كانوا يفتقدون ويتعطّشون إلى كتاب مماثل؛ إذ كانت قد انتشرت مجاميعُ للأدعية حَوَت الدسَّ والتزوير والأباطيل والأكاذيب، بحسب ما يقول الشيخ عبّاس(18): "يجمعُها الحمقى من عموم الناس، فتزْعَمُها كتاباً، فتجعلُ لها اسماً من الأسماء، ثم تتلاقفُها المجاميع، فتسري من مجموعةِ أحمقٍ إلى مجموعةِ أحمقٍ آخر. وتتفاقم المشكلة فيلتبس الأمر على بعض طلبة العلم والدِّين"(19)، واعتزل الناس بهذه المجاميع كتبَ الأدعية المشهورة والمعروفة والتي كتبها كبار علماء الشيعة قبل الشيخ عبّاس(20).

وهذا ما أَشْعَرَ الشيخَ بالحزن والكآبة، فرأى أنّ من واجبه تأليفَ كتابٍ موثوقٍ يُغني عن تلك المجاميع، وتُلقى به الحجّة على الناس. "فجَدَدْتُ واجتهدتُ في أخذ الأدعية والزيارات الواردة في هذا الكتاب عن مصادرها الأصيلة وعرضها على نسخ عديدة، كما بذلت أقصى الجهد في تصحيحها واستخلاصها من الأخطاء؛ كي يثق به العامل ويسكن إليه إن شاء الله"(21).


(1) طبقات أعلام الشيعة، محمّد محسن بن عليّ (آغا بزرگ الطهراني)، ج15، ص999.
(2) (م.ن)، (ص.ن).
(3) (م.ن)، ص1000-1001.
(4) الكنى والألقاب، عبّاس القمي، ج1، ص10-17.
(5) الفوائد الرضويّة في أحوال علماء المذهب الجعفريّة (نسخة فارسيّة)، عباس القمي، ج1، ص377.
(5) "الكربلائي": لقبٌ مشهورٌ في إيران يُطلق على من يزور مقام الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء.
(6) أغلب من ترجم للشيخ عباس القمي نقل هذه القصة عن ابنه وقد اشتُهِرت عنه، سيماى فرزانگان، ص153-154.
(7) الفوائد الرضوية، (م.س)، عباس القمي، ج1، ص377.
(8) طبقات أعلام الشيعة، (م.س)، ج15، ص998.
(9) (م.ن).
(10) (م.ن).
(11) مستدركات أعيان الشيعة، حسن الأمين، ج7، ص274-275.
(12) طبقات أعلام الشيعة، (م.س)، ج15، ص1000.
(13) الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ج4، ص74.
(14) يقع في الجهة الجنوبية، ويسميه النجفيون إيوان الحبوبي (انظر: موقع مكتبة الروضة الحيدرية، www.haydarya.cعليها السلامm).
(15) للمزيد عن حياة الشيخ عباس، انظر: المحدث القمي ومصادر كتابه الكنى والألقاب، طبقات أعلام الشيعة.
(16) الفوائد الرضوية، (م.س)، ص377-380.
(17) مفاتيح الجنان، عباس القمي، ص633.
(18) (م.ن).
(19) المفاتيح الجديدة، ناصر مكارم الشيرازي، ص5.
(20) مفاتيح الجنان، (م.س). ص637.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع