مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

من القلب إلى كل القلوب: فاتّخذوه عدوّاً

سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله)(*)


في العدد السابق تحدّثنا عن كيفيّة بداية الصراع بين آدم وإبليس. وقد عرّفنا الله تعالى إليه عدوّاً، هدفه إضلال وُلد آدم، وأمرنا باتّخاذه عدوّاً في معركة مكانها وجود الإنسان على الأرض حتّى انتهاء عمره.. في هذه المرحلة، كما إنّه يجب علينا معرفة العدو الذي نخوض معه معركة مصيرية، يجب علينا معرفة إمكاناته أيضاً: قدراته، أساليبه، تكتيكاته، نقاط ضعفه وقوتّه. ولكن في المقابل، علينا معرفة إمكاناتنا، وقدراتنا، ونقاط ضعفنا وقوّتنا، وإمكانيّة تسلّل العدو إلينا. وهذا جزء من المواجهة.

* لا بدّ من مواجهة العدوّ
في هذه المعركة الكبرى مع إبليس وجنوده، تبرز لدى إبليس إمكانات كبيرة وكثيرة جداً، وأيضاً لدى الإنسان إمكانات. فلولا أنّ الله أعطى لهذا الإنسان الإمكانات والقدرة على إلحاق الهزيمة بإبليس ومشروعه وجنوده، لِما كان الله طلب من الإنسان أن يهزمهم ويقاتلهم، وأن لا يُسلِّم لهم عقله وقلبه ودينه ونفسه.

ابنة السنوات التسع مطلوبٌ منها المواجهة في هذه المعركة عند بلوغها سنّ التكليف، وابن الخامسة عشرة مطلوب منه ذلك أيضاً ويستطيعان أن يلحقا الهزيمة بإبليس وبمشروعه، ولكن بشرطها وشروطها.

* إبليس وإمكانياته
أولاً: يملك إبليس الكثير من العلم، إضافة إلى المعرفة -بعض الروايات تقول إنّ إبليس عبد الله مع الملائكة آلاف السنين قبل خلق آدم- وذلك نتيجة أنّه شهد الملائكة، وشهد ملكوت السماوات والأرض، ورأى الجنّة، وشهد خلْق آدم، فكلّ ما يحدّثنا به الله عزّ وجلّ، قد شهده. وبطبيعة الحال، شخص عاش من آلاف السنين وما زال على قيد الحياة سيكون لديه تراكم تجربة وخبرة هائلتين.

وإذا تحدّثنا عن خبراء الحرب النفسية، فمن أعظم الخبراء في هذا الكون بالحرب النفسيّة، إبليس؛ لأنّ لديه العلم والمعرفة والتجربة والخبرة، ولأنّه مواكِب لكلّ المراحل التاريخية، والأهمّ معرفته بالنفس البشرية.

فالإنسان -رجلاً كان أو امرأة- يحب ويبغض. مثلاً: الإنسان يحبّ المال، يحبّ السلطة والزعامة، يحبّ حُسن الثناء والمديح، يحبّ أن يعيش كما يشاء، يحبّ الدعة وهناءة العيش، وإذا أراد أن ينأى بنفسه عن التعب أو التضحية فهو يستطيع، وإذا آتته الفرصة لأن ينال كلّ شيء أمامه فهو يحبّ ذلك، وبالتالي الإنسان لديه حاجات جسديّة، جنسيّة، اجتماعيّة... وإبليس يعلم ذلك كله، ويعلم أنّ لدى الإنسان عموماً، نقاط ضعف، ويُكوِّن "ملفاً شخصياً" عن كلّ إنسان ليصل إليه عن طريق نقاط ضعفه.
وهذه المعركة هي على مدار الساعة والدقيقة والثانية وحتّى على مدار النَفَس، معركة دائمة تبدأ من سنّ التكليف حتّى خروج الروح من الجسد.

إذاً، عدوّنا لديه إمكانيات معلوماتيّة هائلة جداً، وهو عدوّ خطير.

ثانياً: إضافة إلى الإحاطة المعلوماتيّة الكبيرة جداً، لديه خبرة بالنفس البشرية، يخاطب كلّ إنسان باللغة التي يفهمها ويحبها، مستخدماً التسلّل.

* ما هي قدرة إبليس الحقيقية؟
بغض النظر عن كل ما سبق وذكرناه، إبليس هذا هو مخلوق ضعيف ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (النساء: 76). فما حدود قدرة إبليس؟ هل أعطاه الله ولاية تكوينيّة وسلطة على الوجود؟ كلّا، بل هو مخلوق ضعيف، لسانه حَذِق وماهر، كلّ ما لديه هو التزيين والوسوسة، يزيّن الفكرة والموقف. لديه خبرة في القوانين، والشرائع، والأديان. فللفقيه يأتيه كفقيه، وللمتديّن كمتديّن، ولتاجر المخدّرات كتاجر مخدّرات، وللمجرم كشخصية مجرم، هو يفهم نقاط ضَعف كل إنسان ويعلم بالمخارج الفقهيّة، والشرعيّة، والحيل، والخدع...

مثال على ذلك، كيف أصبح الناس يعبدون الأصنام؟ إبليس وسوس لهم بأنّهم يعبدون الله من خلالها، وهي ترمز إلى الله، فاعتَبروها فكرة معقولة. ومع مرور الوقت أصبحوا يعبدون الصنم كإله. إبليس، يسير بالتدرّج، يشتغل بمرحليّة. وهذه إمكانياته عن طريق الوسوسة.
 

* سياسته الخداع والوسوسة
بالعودة إلى أصل القصة، يقول الله سبحانه وتعالى: ?فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ?؛ أي عندما أخرج آدم من الجنة، لم يسحب عليه السلاح، ولم يُغرِه بالمال، قام فقط بعمليّة خداع ووسوسة.

لم يعطِ الله سلطاناً لإبليس، إنّما سلطانه على من يسمح له بأن يتسلّط عليه، ليصبح فيما بعد بخدمته وبخدمة مشروعه، ولا يضع حدوداً لهذا العدوّ المتآمر.
نحن عبيد لله ولسنا عبيداً لإبليس. نحن ولد آدم الذي أمر الله إبليس بأن يسجد له، تعظيماً وتكريماً، فلن نصبح عبيداً له، ولن نخضع ونتّبع أوامره...
يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِين (الحجر: 42)، بمعنى أنّ من يتّبع إبليس، يصبح له سلطان عليه.

من أراد أن يكون عبداً لله يستطيع أن يكون عبداً لله، ومن أراد أن يكون عبداً للشيطان فهو يعطيه سلطاناً على نفسه فيكون عبداً له.

وفي آية أخرى قال تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ (النحل: 98 - 100).

* الانتصار مطلوب مع المواجهة
السؤال المطروح: هل نستطيع أن نواجه إبليس الذي يملك هذه الإمكانات؟ ما هي المقدّرات التي أعطانا الله سبحانه وتعالى إيّاها ليحمّلنا مسؤولية هذه المواجهة وليطلب منّا أن ننتصر في هذه المواجهة؟ في بعض المعارك المطلوب منّا أن نقاتل، دون النظر إلى نتيجة تلك المواجهة، لكن في المعركة مع إبليس المطلوب أن ننتصر، وليس أن نقاتل فقط، المطلوب أن نلحق بإبليس الهزيمة. إذاً، ما هي هذه القدرات لإلحاق الهزيمة بإبليس؟

نتابع الحديث عنها في العدد القادم إن شاء الله.


(*) من كلمة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في ليلة الثالث من شهر محرم 1438هـ - 2016م.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع