اخرج إلى الضوء | عندما يكون القائد والداً للمجاهدين مهارات | المساندة النفـسيّة في الأزمات والحروب الملف | كيف نواجه إشاعات الحرب؟ الملف | بصبركنّ... ننتصر الملف | دعاء أهل الثغور: مدد المجاهدين الملف | الشهداء المستبشرون معالم المجتمع الصالح في نهج البلاغة الملف | قيم المقاومة آخر الكلام | تحت الركام.. الافتتاحية | الصبر حليف النصر

نور روح اللَّه‏: وصايا في "محضر الحق"


من عصارة الوصايا العرفانية السلوكية التي وجّهها الإمام الخميني قدس سره إلى ابنه العزيز السيد أحمد رضي الله عنه والتي تجمع أصول المطالب المتعلقة بالسير إلى اللَّه إخترناها لقراءنا الأعزاء لتحصيل الفائدة بعد التفكّر والتدبُّر لتنزل إلى ساحة العمل والتطبيق.

بني: تحرَّر من حبِّ النفس والعجب، فهما إرثُ الشيطان، فبالعُجبِ وحُبّ النفس تَمرَّدَ على أمر اللَّه بالخُضُوعِ لوليّ اللَّه وصفيِّه (جَلَّ وعلا).

واعلم!! أنَّ جميع ما يحلّ ببني آدم من مصائب ناشى‏ءٌ من هذا الإرث الشيطاني، فهو أصلُ الفتنة، وربمَّا تُشير الآية الكريمةُ ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ في بعض مَراحلها (مستوياتها) إلى الجهاد الأكبر، وقتال أساس الفتنة وهو الشيطانُ وجنودُهُ. ولهؤلاء فروعٌ وجُذورٌ في أعماق قلوب بني الإنسان كافَّة، وعلى كل إنسان أن يجاهد "حتى لا تكون فتنة" داخلَ نفسه وخارجَها، فإذا حقَّق هذا الجهاد النَّصر؛ صَلُحتَ الأمورُ كافَّة، وصَلُح الجميع. بني: اسعَ لتحقيق هذا النَّصر أو بعض درجاته، اجتهد واعمل للحد من الأهواء النفسانية التي لا حد لها ولا حصر، واستعن باللَّه -جلَّ وعلا - فإنَّه لا يصل أحدٌ لشي‏ء من دون عونه؛ والصلاة - معراج العارفين وسفرُ العاشقين - سبيلُ الوصول إلى هذا المقصد. ولو كان لكَ ولنا توفيقُ تحقُّق ركعةٍ واحدة منها، ومُشاهدة الأنوار المكنونةِ فيها، ومعرفة أسرارها الخفيّة - ولو على قَدرِ ما نُطيقُهُ نحنُ - لحصلنا على نفحة من مقصد أولياء اللَّه ومقصودهم؛ ولشاهدنا صورةً مصَّغرة لصلاة معراج سيّد الأنبياء والعرفاء - عليه وعليهم وعلى آله الصلاةُ والسَّلام - نسأل اللَّه أن يمن علينا وعليكم بهذه النعمة العظمى. الطريق إذاً طويلٌ وخطيرٌ جداً، ويستلزم الراحلة والكثير من الزاد، وزادُ أمثالي إمَّا معدومٌ أو قليلٌ جداً فما من أملٍ إلاّ أن يشملنا لطفُ الحبيب - جلّ وعلا - فيأخذ بأيدينا.

عزيزي، استثمر ما بقي من الشباب، ففي الشيخوخة يضيعُ كلُّ شي‏ء، حتى الالتفات إلى الآخرة والتوجُّه إلى اللَّه تعالى. إنَّ من كبريات مكايد الشيطان والنفس الأمارة بالسُّوء؛ أن تُمَنِّي الشبابَ بوعود الصلح والإصلاح عند حُلول الشيخوخة، فتُخسرهُم شبابهم الذي يضيع بالغفلة. وأما الشيبة، فتُمنيهم بطُول العُمر حتَّى اللحظات الأخيرة، وتَصُدُّ الإنسان - بوعودها الكاذبة - عن ذكر اللَّه والإخلاص له، إلى أن يأتي الموتُ، وعندها تأخذُ منه الإيمان، إن لم تكن قد أخذته منه كاملاً قبلَ ذلك الحين. إذن؛ فانهض للمُجاهدة وأنت شابٌّ تمتلك قُوَّةً كبرى، واهرب من كلِّ شي‏ء ما عدا الحبيب - جلّ وعلا - وعزِّز بما استطعت ارتباطك به تعالى إن كان لديك ارتباط. أمَّا إذا لم يكن لديك ذلك - والعياذُ باللَّه - فاسعَ للحصول عليه، واجتهد في تقويته، فليس هناك ما يستحقُّ الارتباط به سواه تعالى، وإذا لم يكن التعلُّقُ بأوليائِهِ تعلُّقاً به تعالى ففيه مكيدةٌ من حبائل الشيطان الذي يصدُّ عن السبل إلى الحقِّ تعالى بكلِّ وسيلة.

لا تنظر أبداً إلى نفسك وعملك بعين الرضا؛ فقد كان أولياء اللَّه الخُلّص يرون أنفسهم لا شي‏ء، وأحياناً كانوا يرون حسناتهم من السيئات. بني، كلَّما ارتفع مقام المعرفة، تعاظَمَ الإحساسُ بحقارةِ ما سواه. جلَّ علا. في الصلاة - مرقاةُ الوصول إلى اللَّه - هناك تكبيرٌ واردٌ بعدَ كلِّ ثناء كما أن دخولها بالتكبير، وتلك إشارةٌ إلى أنه تعالى أكبر من كلِّ ثناء حتى من أعظم ثناء وهو الصلاة. وبعد الخروج هناك "تكبيراتٌ" تُشيرُ إلى أنَّه أكبرُ من توصيف الذات والصفات والأفعال. ماذا أقول؟! من الذي يصف وبأيِّ وصف؟! ومَن هو الموصوف؟! وبأيَّة لغة وأيِّ بيان يَصف؟ وكلُّ العالم من أعلى مراتب الوجود إلى أسفل سافلين هو لا شي‏ء إذ أنَّ كُلَّ ما هو موجودٌ هو تعالى لا غير! فماذا يُمكن أن يُقال عن الوجود المطلق؟! ولولا أمرُ اللَّه وإذنه - جلَّ وعلا - فربَّما لم يَتَحدَّث عنه بشي‏ء أيٌّ من الأولياء، وإن كان كلُّ ما هو موجودٌ حديثاً عنه لا عن سواه!! والكلُّ عاجزٌ عن التمرد عن ذكره، فكلُّ ذكر ذكرهُ: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ. و﴿إيَّاك نعبُدُ وإيَّاك نستعين لعلَّها خطابٌ بلسان الحقِّ تعالى إلى جميع الموجودات:  ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ.

وهذه أيضاً بلسان الكثرة، وإلاّ فإنّه هو الحمدُ والحامدُ والمحمودُ "إن ربَّك يُصَلِّي" و﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ. ولدي... ما دُمنا عاجزين عن شكره وشُكر نعمائه التي لا نهاية لها، فما أفضل لنا من أن لا نغفل عن خدمة عباده، فخدمتهم خدمة للحق تعالى، فالجميع منه! علينا أن لا نرى أنفُسنا أبداً دائنين لخلق اللَّه عندما نَخدِمُهُم، بل هُمُ الذي يُمنُّون علينا حقاً، لكونهم وسيلةً لخدمة اللَّه جلّ وعلا.

ولا تسعَ لكسب السمعة والمحبوبيّة من خلال هذه الخدمة، فهذه بحدِّ ذاتها من حبائل الشيطان التي يُوقعنا بها. واختر في خدمة عباد اللَّه ما هو الأكثر نفعاً لهم وليس ما هو الأنفع لك ولأصدقائك، فمثل هذا الاختيار هو علامةُ الإخلاص للَّه جلَّ وعلا.

ولدي العزيز؛ إنَّ اللَّه حاضرٌ، والعالم محضره، ومرآةُ نفوسنا هي إحدى صحائف أعمالنا، فاجتهد لاختيار كلِّ عمل يُقربك إليه، ففي ذلك رضاه جلَّ وعلا. لا تعترض عليَّ - في قلبك - بأن لو كُنت صادقاً، فلماذا أنت نفسُك على غير هذه الحال؟! فأنا نفسي على علم بأني لا أتَّصف بأيّ من صفات أهل القلوب، ولديَّ خوفٌ من أن يكون هذا القلم في خدمة إبليس والنفس الخبيثة؛ فأحاسبُ على ذلك غداً، ولكن أصل هذه المطالب حقٌّ، وإن كانت مكتوبةً بقلم من هو مثلي.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع