لقد وضع الإسلامُ آدابَه السامية وسنَّ مناهجه الراقية لتهذيب الفردِ وبالتالي المجتمع، ولتنمية سلوك الإنسان ليكون قدوة حسنة لغيره من البشر والشعوب. الفرد جزء من أسرة والأسرة نواة المجتمع البشري، تحتاج بدورها إلى ميزات وآداب من كوثر الإيمان والخلق الحسن، من نبع الإسلام لكي تنشىء إنساناً قدوة يحكي بتصرفاته وطموحاته مفاهيم الإسلام منها: القول الطيب: فهو من الميزات الهامة التي تميز إنساناً عن آخر، به نكسب الأصدقاء والإخوان وتكتمل الشخصية، قال اللَّه تعالى: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ الإسراء.
المطلوب من الأهل الكرام أن يكونوا بدورهم قدوة في الكلام الحسن والقول الطيب في خطابهم مع أبنائهم، وفي آية أخرى نجد: ﴿وقولوا للناس حسناً﴾ البقرة. ومن البديهي أن نقول الأحسن للأقرباء منا ولمن نُسأل عن تصرفاتهم وأقوالهم.
هذا الكلام الحسن والقول الطيب يزرع المحبة في قلوب الأولاد الذين ينشأون عليه ومن ثمَّ يتصرفون على منواله في تعاطيهم مع الغير فيكتسبون بدورهم محبة الآخرين واحترامهم. اللين والبشاشة: كذلك حثَّ الإسلام على اللين والبشاشة وعدم الغلظة مع الآخرين ونستحضر هنا آية مباركة من سورة آل عمران: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ فاللَّه تعالى أضفى رحمتَه على رسوله الأكرم صلى الله عليه وآله. وبفضلها وبالخلق العظيم الذي امتاز به صلى الله عليه وآله عامل الناسَ بالرفق وخاطبهم باللين ولو كان فظاً لنفروا عنه وتفرقوا، وهذه الآية المباركة تشكل درساً لكل فرد ولكل أسرة ولكل أب وأم ليتحلوا بها وهي من موجباتِ تآلف القلوب وتقوية أواصر المجتمع. السلام والتحية: من المطلوب أن نشيع السلام بين بعضنا البعض وأن نستأذن من بعضنا للدخول في هذا المكان الخاص أو العام عندما نجد ضرورة لذلك وظروفاً تستدعي ذلك، فالأهل أحياناً لا ينتبهون إلى هذه المسألة فيدخل الأب مثلاً دون إذن ولا تحية إلى منزله ودون سلام على أولاده وزوجته أو حتى الضيوف إذا كانوا موجودين في منزله، إنَّ ذلك من شأنه أن يترك أثراً سلبياً على أولاده الذين يعتبرونه قدوتهم في التصرف والسلوك والتعاطي مع الآخرين، وبالتالي يصبح الأولاد يدخلون بيوتهم وبيوت غيرهم ربما دون استئذان أو سلام. قال اللَّه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ النور.
هذه القاعدة العامة ولكن بإمكان الأهل أن يمارسوها حتى في بيوتهم لتصبح عادة عند أولادهم في تصرفهم مع زيارة غيرهم، وحتى عندما يدخلون إلى بيوتهم يستأذنون ويسلمون، وهذا يستتبع الرد الحسن أو الأحسن من الأهل أو الآخرين ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ النساء، وهنا تسود الألفة والسلام والأمان داخل الأسرة الواحدة وفي المجتمع أيضاً. الصوت الهادئ في الكلام: لقد شبَّه القرآن الكريم الصوت المرتفع المنفر بنهيق الحمير "واغضض من صوتِك إنَّ أنكر الأصواتِ لصوت الحمير" لقمان.
هناك بعض الآباء أو الأمهات إذا أرادوا أن ينادوا ابناً لهم، فإن الجيران يسمعون أصواتهم مع أنهم يجلسون على مائدة واحدة أو في غرفة واحدة. أو إذا أرادوا النقاشَ حول موضوع أو فكرة معينة فإنَّ الصراخ هو سيد الموقف مع أنَّ الأمر لا يحتاج إلى كلِّ ذلك. فالصوت الهادئ والكلام المتزن يجعل الأمر الذي نريد حدوثه أو الحديث عنه أقرب للفهم وللطاعة معاً. حتى أننا نجد أنَّ بعض الأولاد عندما يريدون الحديث مع بعضهم البعض أو مع أهلهم لا يتكلمون بهدوء واحترام بل كأنَّهم في الشارع وفي عجقة الضجيج ينادون بعضهم. الجلوس: من الآداب التي ينبغي أن تبدأ زراعتها منذ الصغر لتنمو فيما بعد وتصبح غرسة طيبة وميزة أخلاقية جميلة هي آداب الجلوس، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا ﴾ المجادلة.
أحياناً نجد بعض التصرفات داخل هذه الأسرة أو تلك تنبىء بصعوبة التخلق بهذه الميزة الحميدة، فهذا الولد يدفع أخاه وهذا الأب يصرخ على ولده أو ربما زوجته لجلوسهم في مكانٍ مخصص له. على المائدة أو غرفة الضيوف أو في استراحة البيت، وهذا قد يتأصل في تصرف الأولاد ويطبقونه مع غيرهم وخارج منزلهم. المطلوب أن نفسح في المجالس لبعضنا البعض وأن نؤثر على أنفسنا في الجلوس فاللَّه عندها يفسح لنا ولا ننسى أن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله كان يجلس كغيره من المؤمنين والناس ويأتي الأشخاص ويسألون من منكم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله. كذلك في منزله كان مع أسرته وأهل بيته عليهم السلام. وهذه الآداب تجعل الأسرة أسرة نموذجية يوجد التآلف والترابط بين أبنائها ومن ثم بين أبنائها والآخرين من الأقرباء وأفراد المجتمع.
* الاحترام المتبادل:
احترام الأب لأبنائه وزوجته واحترام الأبناء لأهلهم من الثوابت التي ركز عليها الإسلام حين قال اللَّه تعالى: ﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا﴾ هذا بالنسبة لعلاقة الأولاد بأهلهم كذلك في الحديث "ليس منَّا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا" رحمة الصغير زرعها اللَّه تعالى في قلوب الأهل من آباء وأمهات وجاءت بعض الأحاديث لتركزها في التداول الاجتماعي والعرفي، الاحترام والرحمة من شأنهما تثبيت دعائم الأسرة وعدم الوصول إلى ضياع الأولاد نتيجة عدم احترام آبائهم لهم أو حزن الآباء نتيجة عدم احترام أولادهم لهم. العلاقة متبادلة تجعل الأسرة نموذجية، تقتدي بها عائلات وأفراد لأنها تمارس آداباً تختزن السعادة بين جزئياتها. ومفاهيمها وهذا ما يحتاج إلى زرع وسقاية في البداية ليأتي الحصاد، مودة ورحمة وأسرة سعيدة.
* إصلاح ذات البين:
أحياناً نجد أن العداوة تطال الأخوة في بيت واحد، ويدخل الشر إلى علاقتهم من الأبواب الواسعة، بينما نجد أن الإسلام ركَّز على إصلاح ذات البين حتى بين الناس الذين لا نسب بينهم بل هناك نسب الإيمان والإسلام. ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾ وفي آية أخرى ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾. وفي آية ثالثة: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾. فكيف إذا كان الخلاف بين الأخوة في أسرة واحدة مؤمنة، وأحياناً نجد أنَّ الأم أو الأب يقفان مع أحد أبنائهم دون الآخر دون النظر الحق لمن أو مع من. وهذا من شأنه أن يزرع البغضاء أكثر بين الأخوة. المطلوب أن يتولى الأهل بأسلوب حذر وموضوعي تصويب الأمور وإصلاح ذات البين بين أبنائهم لكي لا يتعزز الخلاف وتنعدم روابط المحبة والألفة بينهم.
هناك أنظمة اجتماعية عديدة ظهرت على مسرح الحياة ولا زالت، ولكن النظام الإسلامي لامس أدق التفاصيل في علاقة الفرد والمجتمع والأسرة، آخذاً بعين الاعتبار مواضيع تتعلق بالروح والخلق والفطرة لأنَّ الإسلام دين شامل استوعب جميع متطلبات الإنسان لتطال جميع جوانب الحياة. ولكن علينا أن نبحر في شريعته وهديه لنهتدي في حيرة الأيام ونسترشد عند الضلال. وإذا أردنا أن نعلم الواجب علينا والحق الذي لنا سواء كنا أفراداً أو عائلات أو مجتمعات نقرأ القرآن وسنة النبي صلى الله عليه وآله ونتطلع إلى تصرفات الأئمة الأطهار وأحاديثهم، والأسرة القدوة عندما نتحدث عنها نجدها في أسرة النبي صلى الله عليه وآله وأسرة وصيه علي وبضعته الزهراء عليها السلام في صغير الأمور وكبيرها.
ولا ننسى أنَّ الأسرة نواة المجتمع كذلك كانت أسرة الرسول صلى الله عليه وآله نواة المجتمع الإسلامي الرسالي، بها نقتدي لنؤسس أسرة مؤمنة، قدوة لغيرها من خلال الإيمان والأخلاق والعلم والألفة والسقف المتين المنفتح على مدى التحديات والأعمدة القائمة على ثوابت العقيدة وأصولها.