لقد ضحى شعبنا بأرواح أبنائه من الأطفال الخُدج وحتى الشيوخ في سبيل اللَّه تبارك وتعالى، اقتداءً بسيد الشهداء سلام اللَّه عليه. لقد علّم سيد الشهداء عليه السلام الجميع ماذا ينبغي عليهم فعله في مقابل الظلم والحكومات الجائرة.
فرغم أنه كان يعلم منذ البداية أن عليه أن يضحي في طريقه الذي سلكه بجميع أنصاره وأهل بيته من أجل الإسلام، إلاّ أنه كان يعرف عاقبة هذا الطريق أيضاً. ولولا نهضة الحسين عليه السلام تلك لتمكن يزيد وأتباعه من عرض الإسلام مقلوباً للناس، فهم لم يكونوا يؤمنون بالإسلام منذ البداية، وكانوا يكنون الحسد والحقد لأولياء الإسلام. لقد تمكن سيد الشهداء عليه السلام من خلال تضحيته تلك وعلاوة على إلحاق الهزيمة بهم، وبعد زعزعة أركان حكومتهم أن أدرك الناس بعد برهة حقيقة المصيبة العظمى التي حلت بهم إرشاد الجميع على مرّ التأريخ إلى الطريق الصائب الذي ينبغي أن يسلكوه.
لقد علم عليه السلام الناس أن لا يخشوا قلة العدد، فالعدد ليس هو الأساس، بل الأصل والمهم هو النوعية، والمهم هو كيفية التصدي للأعداء والنضال ضدهم والمقاومة بوجههم، فهذا هو الموصل إلى الهدف. من الممكن أن يكون عدد الأفراد كبيراً إلاّ أنّ نوعياتهم ليست بالمستوى المطلوب، ومن الممكن أن يكون عددهم قليلاً لكنهم أقوياء أشداء وشامخو الرؤوس. فنفس القيمة التي تمتلكها تضحية الحسين عليه السلام عند اللَّه تبارك وتعالى ونفس الدور الذي لعبته في تأجيج نهضته تملكها أو تقاربها خطب السجاد عليه السلام وزينب عليها السلام أيضاً... فتأثيرها يعادل أو يقرب من تأثير تضحية الحسين عليه السلام بدمه.
لقد أفهمنا سيد الشهداء عليه السلام وأهل بيته وأصحابه، أنّ على النساء والرجال ألا يخافوا في مواجهة حكومة الجور. فقد وقفت زينب سلام اللَّه عليها في مقابل يزيد وفي مجلسه وصرخت بوجهه وأهانته وأشبعته تحقيراً لم يتعرض له جميع بني أُمية طُراً في حياتهم. كما أنها عليها السلام والسجاد عليه السلام تحدثا وخطبا في الناس أثناء الطريق وفي الكوفة والشام، فقد ارتقى الإمام السجاد سلام اللَّه عليه المنبر وأوضح حقيقة القضية وأكد أن الأمر ليس قياماً لاتباع الباطل بوجه أتباع الحق، وأشار إلى أن الأعداء قد شوهوا سمعتهم وحاولوا أن يتهموا الحسين عليه السلام بالخروج على الحكومة القائمة وعلى خليفة رسول اللَّه!! لقد أعلن الإمام السجاد عليه السلام الحقيقة بصراحة على رؤوس الأشهاد، وهكذا فعلت زينب عليها السلام أيضاً.
وهكذا هو الأمر اليوم في بلدنا، فسيد الشهداء عليه السلام قد حدد تكليفنا، فلا تخشوا من قلة العدد ولا من الاستشهاد في ميدان الحرب، فكلما عظم هدف الإنسان وسمت غايته كان عليه أن يتحمل المشاق أكثر بنفس النسبة، فنحن لم ندرك بعدُ جيداً حجم الانتصار الذي حققناه، وسيدرك العالم فيما بعد عظمة النصر الذي حققه الشعب الإيراني. وبنفس العظمة التي يتميز بها هذا النصر والجهاد يكون حجم المصائب والتحديات.
وينبغي أن لا نتوقع أن لا تمسنا القوى الكبرى التي قطعنا أيديها عن بلدنا وسنقطعها إن شاء اللَّه عن باقي دول المنطقة بأي سوء أو أذى، وعلينا أن لا نتوقع بعد تحقيقنا لهذه الانتصارات أن نبقى نرفل بالسلامة كما كنا في السابق. لقد هيأ سيد المظلومين عليه السلام للجماهير وسيلة مكنتها من عقد اجتماعاتها بسهولة ودون الحاجة إلى بذل جهود كبرى. والإسلام جعل من المساجد خنادق ووسائل، لأن هذه المساجد والتجمعات وصلوات الجمعة والجماعة هيأت جميع ما يراد لتحقيق ما فيه مصلحة الإسلام وما يقيض أسباب تقدم النهضة إلى الإمام، وخصوصاً مما تعلمناه من سيد الشهداء عليه السلام مما ينبغي عمله في ساحة الحرب وخارجها، وماذا يجب أن يعمله أولئك الذين يخوضون غمار الكفاح المسلح، وما هي واجبات المبلغين خلف جبهات القتال وكيف يقومون بذلك. لقد تعلمنا من الحسين عليه السلام كيفية النضال والجهاد وكيفية المواجهة بين قلة من الناس وكثرة كاثرة، وكيفية الوقوف بوجه حكومة تعسفية جائرة تسيطر على كل مكان، كيف نقوم بذلك بعدد قليل...
هذه أمور علمها سيد الشهداء عليه السلام لأبناء شعبنا كما أن نجله الإمام السجاد عليه السلام وسائر أهل بيته عليهم السلام علمونا ماذا ينبغي عمله بعد وقوع المصيبة هل ينبغي الاستسلام؟ هل يجب التخفيف والتقليل من النضال والجهاد؟ أم علينا أن نقتدي بزينب سلام اللَّه عليها التي حلّ بها مصاب تصغر عنده المصائب فوقفت بوجه الكفر والزندقة وتكلمت وخطبت كلما تطلّب الموقف وأوضحت الحقائق، تماماً كما مارس الإمام علي بن الحسين دوره التبليغي رغم الذي كان يعاني منه.
إنكم مكلفون بحفظ هذه النعمة الإلهية وهذه المنحة الربانية، مطالبون بشكر اللَّه عليها، والشكر إنما يتحقق بممارسة التبليغ، بينوا للناس وأفهموهم ما فعله سيد الشهداء عليه السلام وما كان يريد تحقيقه والطريق الذي سلكه والنصر الذي تحقق له وللإسلام بعد شهادته، وضّحوا لهم أن ما فعله سيد الشهداء عليه السلام هو الجهاد من أجل الإسلام، وأنه كان يعلم أنه لن يتمكن بما تهيأ له من عدد قليل يقل عن المئة شخص من التغلب على ذلك النظام الظالم الذي يملك كل شيء. إن عليكم أن تدركوا مثلما نهض الحسين عليه السلام وثار بوجه كل تلك الأعداد المدججة بالسلاح حتى استشهد، فعلينا نحن أيضاً أن نثور وأن نوطن أنفسنا للشهادة ونحن مستعدون لذلك.