موسى حسين صفوان
سلام عليك يا رسول اللَّه، صلى اللَّه عليك وعلى الطاهرين المطهرين من أهل بيتك، صدقت واللَّه يا سيدي، فإن لمقتل ريحانتك أبي عبد اللَّه لحرارة في قلوب المؤمنين لا ولن تبرد أبداً ما دامت السموات والأرض، وما دام هناك مظلوم يئن من سياط المستكبرين!
سيدي أبا عبد اللَّه عليه السلام. أي سرٍّ في دمائك المهراقة على رمضاء كربلاء عصر العاشر من المحرم... وأي نفس لجدك المطهر صلى اللَّه عليه وآله سالت هناك... فروّت أديم الأرض لتنبت جيلاً بعد جيل؛ غراساً مابرحت فتية غضة، تورق إيماناً وعزيمة، وتزهر عشقاً وحباً، وتعقد ثمار الشهادة وقد عقد لها لواء النصر. قرونٌ مضت أعقبتها قرون... ودماؤك الطاهرة يا سيدي ما انفكت تنتصر... لقد أخطأ واللَّه وما أصاب شيئاً من لب الحقيقة من ظن بالأمس، أو يظن اليوم، أن بضعة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله مع صفوة من الأهل والصحب قضوا في يوم عاشوراء فها هو دمك العبيط، وأنفاسك المتألمة حاضرة دائماً تنتصرا وتنتصران، وترفع في كل مرة بيارق النور فوق ركام الظلام... وهذه القلوب الواجفة المتعلقة بعزك الأبهج، تعرج إلى محراب قدسك بدموعها، وتُحدِّقُ ببهي عرشك، بنفوسٍ استوطنها حبك، فسما بها إلى ملكوت عرش الحق. وهاتيك همم أبنائك، الذين أنجبتهم الأجيال الوفية لقضيتك، ما استكانت، ولا هدأت... سيوفهم مسلّطة على رقاب الظالمين، وبنادقهم موجهة إلى نحور المستكبرين، وشعارهم دائماً وأبداً... هيهات منا الذلة، ونداؤهم الذي صدحت به حناجرهم، لبيك يا أبا عبد اللَّه...
وليس كثيراً أن يعلن مجدد هذا العصر من جمران، وقد اختط لنا نهجاً من نهجك فيقول: "يقولون أمة باكية؟ نحن شعب بكّاءٌ سياسياً، فنحن بهذه الدموع نتحول إلى سيل جارف يدمر كل السدود التي تقف مقابل الإسلام". وصدق ولي اللَّه، فدماء سيد الشهداء حاضرة أبداً في قلوب الشهداء، فما من شهيد هجر الدنيا ليصنع النصر والفخر لأمته إلا وقد أوصى بحفظ دماء الإمام الحسين عليه السلام. فهذا الشهيد حيدر الجوهري يوصي أمه فيقول: "أطلب منك أن تسامحيني وتترحمي عليّ وتتأسي بأم المصائب زينب وتتذكري مصابها..." ويوصي أخوته المجاهدين: "وأوصيكم أن تتذكروا سيدنا ومعلمنا الإمام الحسين عليه السلام في رمضاء كربلاء". وذاك الشهيد عبد الكريم قانصوه يوصي ولده... "ولدي الحبيب... وإن ألمّت بك الكروب فراجع حوادث الدهر ونكبات العصر تجد كل المصائب دون مصيبة سيد الشهداء عليه السلام" ويقول: "إعلم أن الذي قتل أباك لم يقتله لشخصه فليس بين أبيك وبين أحد عداوة، والذي قُتل من أجله أبوك ليس أمراً دنيوياً حقيراً، إنما هي معركة الحق والباطل في امتداد التاريخ". ويقول الشهيد عبد المجيد كركي: "شجرة الإسلام لا ترويها إلا دماء الشهداء، حاولوا أن تتذكروا ذلك اليوم الحار الذي وقف فيه الإمام الحسين عليه السلام وحيداً بين الأعداء... تذكروا أم المصائب زينب عليها السلام وهي تودع أخاها...". وما أجمل ما أوصى به الشهيد سمير مطوط حيث يقول: "أقول لكل الناس إن دماء الإمام الحسين عليه السلام لم ولن تذهب هدراً بل أعدت أجيالاً وأبطالاً مجاهدين وعلماء وشهداء، وانتصرت الثورة، ورُفع علم الرحمن فوق أرض الرحمن وأنيرت شعل الهداية، وأطفئت طرق الضلالة".
بلى واللَّه... انتصرت دماء الحسين، وما تزال تنتصر... وستبقى تحقق النصر تلو النصر، حتى تعلو راية الهدى، ويقبل الحق عزيزاً، ويزهق الباطل مخزياً، ويمن اللَّه على المستضعفين بالطلّة البهية، والبقيّة العلويّة. والحمد للَّه رب العالمين. ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾. صدق اللَّه العلي العظيم.