نلا الزين
هناك ما يقرب من ألفي كتاب حسب بعض التقديرات الرسمية يعالج أكثرها كيفية تنظيم الأسرة وكيف يتم التعامل مع قضاياها ومشاكلها، كما أنَّ مبدأ تنظيم الأسرة علمٌ قائمٌ بذاته وهو يعتمد على أصول وقواعد اجتماعية وأخلاقية.
وللخبرة الشخصية أهمية كبرى في كيفية نجاح عملية التطبيق لهذا التنظيم أو ذاك، فكيف إذا كانت هذه الخبرة ناجمة عن تطبيق يومي تتطلب جهداً وصبراً وعيناً ساهرة؟ فالأهل كالأستاذ لكي ينجح في تأدية رسالته لا بدُّ وأن يبني علاقات متينة أساسها الاحترام المتبادل والثقة بكل ما يقوله حتَّى يكون النجاحُ حليفَه ويصل بهم إلى الشاطئ المنشود، كذلك هم بحاجة إلى كلّ ذلك لتأدية الرسالة الأسرية الملقاة على عاتقهم. وهذا ينبغي للأهل أن لا يصنعوا عالَمَهم الذي يناسب الكبار فقط ويتركوا جانباً عالَم العائلة أجمع وعالم الأبناء الذين يتوقون إلى مكان مريح وحرية بقدر واطمئنان فإذا ما أراد الأهل ضبط هذا الوضع الأسري العائلي لا بدَّ وأن يعتمدوا على مساحةٍ مناسبةٍ داخل المنزل لكل فردٍ فيها فالانسجام الجماعي يساعد على إيجادِ الجوِّ الملائم لنظام أسري وبالتالي اجتماعي مميز وناجح.
فكلُّ فردٍ من أفرادِ العائلة مهما صغر سنه لا بدَّ وأن يؤخذ وجوده بعين الاعتبار، من خلال التعبير والمشورة والالتفات لحاجاته وملاحظاته على بقية الجسم العائلي. من هنا نطرح فكرة وربما إقتراحاً قد يجد مساحةً من قبول وقد لا يجد ذلك وقد يكون موجوداً في بعض العائلات وقد لا يتواجد في الكثير منها. إنَّه "مجلس المشورة الأسري أو العائلي". هذا المجلس العائلي لا يهتم فقط بالمشاكل العالقة بل بإيجاد المشاريع التي يمكن أن يستفيد منها الجميع مثل تحضير المناسبات وجلسات الحوار والزيارات وتنظيم الأسرة وتدبير المنزل إى ما هنالك من أمور... المهم في هذا المجلس المصغر للمشورة العائلية والأسرية أن يكون قائماً على أسسٍ متينة وقناعةٍ راسخة بأهميته وليس مجرد فكرة ظاهرية وشكلية أو ربما ترفيهية. وأيضاً أن يعتمد الأهل طريقة موضوعية وحكيمة في اتخاذ القرارات ومشاركة الأبناء بشكل فعلي ودائم وثابت أسبوعياً أو شهرياً... وأن يبتعدوا عن مفهوم السلطة الفردية أو الثنائية للتحكم بالقرار، وإلا يفقد المجلس مصداقيته وسبب وجوده.
ولا بأس من إجراء انتخابات دورية لاختيار مدير ومنسق لشؤون المجلس العائلي المصغر. أيضاً أن توضع نقاط البحث والنقاش وجدول العمل للجلسات الثابتة أو الطارئة وتوزع على أفراد العائلة كلّها لتجهيز اللازم من الاقتراحات والملاحظات والنقد. بالموافقة الجماعية على نقاط البحث وفقاً للأولوية للجميع مع ترك حيز من الحرية لبنود خاصة بكلِّ فرد. وأن يكون وقت الجلسة خالياً من الانشغالات الفردية فهذا الوقت يصبح مقدساً من الجميع نظراً لانعكاسه على قرارات الأسرة مستقبلاً. كذلك الأمر بالنسبة للمناسبات والزيارات والرحلات مع الأخذ بعين الاعتبار الوقت المناسب للنقاش وللجلسة ليكون مناسباً للانشغال الفردي وحتى لا يصبح مملاً فيما بعد.
* مجلس مشورة أسري
ـ فوائد هذا المجلس المصغر للمشورة العائلي والأسري أنه يفتح الأجواء أمام أفراد يشكلون خلية ونواة واحدة تسكن تحت سقف واحد تحيط بهم جدران واحدة فالأولى أن تجمعهم خلية وجسماً أسرياً واحداً. كذلك يُهدّىء من روع البعض عندما تلوح في الأفق بعض مشاكل وإشكاليات تكون محط بحث وجدل وخلاف بين فرد وآخر بين الأهل والأبناء أو بين الأبناء أنفسهم وبين الكبير والصغير والذكر والأنثى أو بين الوالدين معاً. كذلك فهو من شأنه أن يساهم في تنمية قدرات الأبناء في معالجة المشاكل التي تنتظرهم في المستقبل أو مع الآخر الذي سيلتقون به في يوم من الأيام وتقدم هذه الأسرة نموذجاً إسلامياً أولاً وحضارياً في هذه الخطوة المميزة. واستماع الأهل للأبناء ومشاركتهم في هذا المجلس المصغر من شأنه أن يفتح واحة من حرية للأبناء ليكونوا في موقع قادر على طرح مشاكلهم دون خوف مهما كانت هذه المشاكل حسَّاسة أو محل تعجب حتى يجدوا ملاذاً داخلياً بعيداً عن ملاذ الشارع وأصدقاء السوء. باستطاعة الأهل توسيع دائرة المجلس الأسري المصغَّر إذا وجدوا ظروفاً ملائمةً أو أسباباً جوهرية أو أشخاصاً مناسبين من العائلة الأوسع والأكبر لتشمل الجد والجدة العم الخال، العمة الخالة، أو أبناء العم وأبناء الخال وذلك التوسع يحتاج إلى دراسة وتمحيص حتى لا تضيع فرصة الصراحة والحرية والسرية في بعض الأمور الأسرية الداخلية التي لا تسع إلاّ الأب والأم والأولاد.
ولكن يمكن الخروج من هذا الأمر بتخصيص جلسات للأسرة الواحدة وجلسات أخرى لأفراد العائلة الكبرى فالهدف هنا هو نشر هذا المفهوم وترسيخه يوماً بعد يوم في أجواء عائلاتنا وأسرنا. وليس من خاسرٍ لا الكبار ولا الصغار ولا الأسرة ولا المجتمع فبهذا لمفهوم حول التشاور والمجلس التشاوري في الأسرة نرتقي إلى واقع أفضل تتلاقح فيه الأفكار وتسد الثغرات وتلتقي العقول والقلوب معاً على طاولة صغيرة بحجمها كبيرة بنتائجها في المستقبل. أيضاً لا ننسَ أنَّ اللَّه تعالى خاطب نبيّه الأكرم صلى الله عليه وآله: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ﴾.
وهنا تبقى الإشارة إلى ضرورة هذه المشورة بين أفراد البيت الواحد وبين الكبير والصغير ولكن تبقى زمام الأمور بين الأهل الذين ينبغي أن يتوكلوا على اللَّه في نهاية الأمر لما فيه مصلحة الأسرة والمجتمع فيما بعد. وبالتالي فهم يتحكمون بالمعنى الإيجابي هنا وليس السلبي بتوجيه الحديث والحوار والنقد لما فيه الأولوية والصلاح وقد يكون ذلك بالأسلوب غير المباشر من خلال اختبار نقاط بحث مهمة وطرح أفكار مقنعة وموضوعية وحكيمة. مع تلقي كامل الطروحات مهما صغرت أو أخطأت بقلب مفتوح وعقل يدرك مخاطر عدم الاستماع بهدوء لمشاكل ومطالب وملاحظات الأبناء. التواصل بين كلِّ فرد من أفراد الأسرة وبين تجربة الكبار وتطلعات الصغار هو مبتغى يسعى أكثر الناس لتحقيقه. أكثر العائلات تصطدم من جراء مشال قد تعترض الأهل والأولاد نتيجة اختلاف وجهات النظر ما يدفع ببعض الأهل إلى استعمال أساليب العنف تجاه أولادهم. وهذا يدفع إلى ارتكاب أخطاء لن تكون في صالح أحد كذلك هناك أولاد قد يسيئون التصرف تجاه آبائهم مهما كانت الأسباب ويريدون إلغاء أي دور لآبائهم وأمهاتهم باعتبار أنهم يملكون وعياً عصرياً أكثر منهم.
مجلس المشورة الأسري والعائلي من شأنه أن يركز مفاهيم نحتاجها في مشاكلنا العائلية وتنظيم الأسرة عندنا وضبط العديد من الالتباسات والمتناقضات بين جيل وجيل، وآباء وأبناء، وماضي وحاضر ومستقبل. ولا تنس مفهوم الإبداع الحرية الصاحة معالجة الأمور الصعبة خلق روح التعاون والمحبة الناتجة عن هذا المشروع الاقتراح. والبقية بآرائكم وملاحظاتكم وأقلامكم.