تحقيق: هبة عباس
هي علاقة إنسانية متبادلة دعائمها ثلاث: الصراحة، التعاون والإحساس بالآخر، لنصل في حال توافرت هذه الدعائم إلى الحفاظ على أغلى ما ائتمننا الله عليه ألا وهو جسدنا أو صحتنا. إنها بالطبع العلاقة بين الطبيب والمريض. وللإضاءة أكثر على طبيعة هذه العلاقة وأهميتها وعلى الضوابط التي يجب أن تتّسم بها أجرت "بقية الله" مقابلات مع عدد من المرضى للوقوف على تجاربهم، كما استطلعت آراء كل من الدكتورة جمال علامة والدكتور حسن عكوش.
* علاقة صريحة ولكن...
على المريض أن يُطلع طبيبه على كل المعلومات الصحيّة الخاصّة بحالته وذلك تبعاً للحالة المرضيّة الّتي يعاني منها. هذا ما أفادتنا به السيّدة جومانة عند سؤالها عن رأيها في الموضوع، وأضافت: "لا يجب أن يعرف كل طبيب أزوره إذا ما كنت أعاني مرضاً مزمناً مثل الضغط أو القلب أو السكري" معتبرة أنها تكتفي، عادةً، بالمعلومات المتعلقة بمرضها الحالي دون الخوض في التاريخ الطبي الخاص بها، واصفة هذه العلاقة بالصريحة إلى حد ما.
السيد أبو أحمد اعترض على كلام السيدة جومانة موضحاً أن مرضاً مثل السكَّري أو القلب يجب التصريح عنه عند كل طبيب نزوره لا سيّما أنّ عواقب وخيمة قد تترتب على إخفاء هذه المعلومات، وأضاف: "لا أجد أي مشكلة في الإجابة بشكل صريح جداً عن سؤال يطرحه عليَّ الطبيب فهو يقوم بواجبه، وعدم التصريح عن وضعي الصحي قد يضع صحّتي على المحكّ".
وعن الثقة بالطبيب اعتبر الحاج أبو أحمد أنّها تأتي بعد تعاطي الطبيب بشكل إنساني مع المريض وشعور الأخير باهتمام الطبيب به وبمرضه، مضيفاً: "هناك بعض الأطباء لا يراعون الوضع المادي للمريض ويتعاملون معه كمصدر للمال فقط".
* لا أخجل بمرضي
عانت من مرض السكري وأحست بعوارضه وهي في عمر الـ 12 سنة. وعندما ذهبت إلى لطبيب لمعرفة سبب العوارض التي تشعر بها من عطش شديد، وكثرة التعرق وغير ذلك أخبرها بأنه مرض السكري وأن عليها استعمال "الأنسولين" فوراً، عبر الوخز بالإبر لأن السكري لديها وراثي ولا يمكن معالجته بالأدوية فقط. هذه قصة السيدة أم حسن(25 سنة)، مع مرض السكر. وقد لفتت إلى أنّ صراحة طبيبها وتبسيطه للمرض دون الاستهتار به جعلها تتفهم ما تعاني منه. وفي هذا الشأن تقول: "شرح لي الطبيب ماهيّة مرضي بالتفصيل رغم صغر سني في ذلك الوقت، كما طلب مني ألا أخاف بل أن أعتبر إبرة الأنسولين مما لا يمكن الاستغناء عنه كما الطعام والشراب"، موضحة: "لطفه وصراحته هوّنا علي مرضي وجعلاني أكثر تقبلاً له".
وفي الختام أكّدت السيدة أم حسن بأن حياتها وصحّتها أهم بكثير من الخجل بمرضٍ قد يؤدّي إخفاؤه إلى نتائج كارثيّة على صحتها.
* عدم اهتمامه نفرّني منه
قصة السيدة (أم زهراء) مع طبيبها معاكسة تماما لقصة أم حسن حيث إن عدم اهتمام طبيب ابنتها، وقلّة إنسانيّته، جعلاها تنفر منه وترفض معاينة طفلتها عنده فيما بعد. وعن الحادثة تقول أم زهراء: "دخلت طفلتي البالغة من العمر سنة ونصف المستشفى بسبب وعكة صحيّة تعرضت لها. وعندما طلبت من طبيبها الذي كان يعاينها منذ ولادتها القدوم لمعرفة ما تعانيه رفض ذلك بحجة انشغاله بمؤتمر، فتمنيت منه القدوم حالما يستطيع، خاصّة وأنّ ابنتي بقيت في المستشفى لمدة أسبوع، إلاّ أنه لم يجد أي وقت فراغ للاطمئنان عليها. لذلك ما إن أخرجت ابنتي من المستشفى، ذهبت إلى عيادته وطلبت ملفها. كما أعربت عن استيائي من معاملته".
وفي الختام، أكّدت السيّدة أم زهراء على ضرورة أن يكون الطبيب صاحب ضمير وإنسانياً في تعامله مع مرضاه، ليحصل على ثقتهم واحترامهم له كطبيب.
ولاستطلاع آراء الأطباء حول العلاقة بين الطّبيب والمريض، وحقوق كل من الطرفين فيها، كان لنا لقاء مع كل من الأخصائية في الجراحة النسائية والتوليد الدكتورة جمال علامة، والأخصائي في الجهاز الهضمي والكبد الدكتور حسن عكوش.
* أتفهم هواجس مريضي
"أحاول تفهّم آلام المريض وهواجسه، ولا أطالبه أن يكون هو على مستوى فهمي وعلمي". هذا ما افتتحت به الدّكتورة علامة كلامها مؤكّدة أنها تسعى دائماً إلى علاقة أخوّة مع المريض لا إلى علاقة رسمية، فذلك يُشعر المريض بالراحة والثقة، وأضافت: "أشدّد على ضرورة أن يكون مريضي صريحاً معي في كل شيء سواء لجهة الأمراض التي يعانيها أمِ لجهة التزامه بتعليماتي الطبية، لأكون قادرة على معالجته بالأسلوب الصحيح والناجع"، موضحة أن على الطبيب أن يستخدم الطب النفسي إلى جانب الطب الجسدي للتوصل إلى ثقة المريض به وتعاونه معه ما يؤدي إلى نجاح العلاج .
أما بالنسبة لحقوق الطبيب في هذه العلاقة فقد لفتت الدكتورة جمال إلى ضرورة تصريح المريض بكل العوارض التي يعاني منها للطبيب، كما شدّدت على ضرورة احترام الوصفات الدوائية ومواعيد الأدوية حتى لا يتذمر المريض بعد ذلك من عدم الاستفادة معتبراً أن الطبيب قد أخطأ في علاجه، إضافة إلى احترام الطبيب وآرائه.
* من حقوق المريض
أما عن حقوق المريض فرأت الدكتورة علامة أن من حقوقه على طبيبه: أخذ الوقت اللازم لمعرفة حقيقة مرضه، وماهية الأدوية التي يتناولها. إضافة إلى حقه في معرفة ما يعانيه حتى ولو كان المرض خطيراً مع المحافظة على إيصال الخبر بشكل تدريجي وإنساني. وقد يتم ذلك عبر مساعدة أحد الأقارب، مع التأكيد دائماً على حق المريض في أن يتكتم على مرضه إذا أراد ذلك.
وفي الختام نصحت الدكتورة علامة المرضى بالصراحة مع أطبائهم وأخذ الوقت اللازم للسؤال عن كل أمر يخص مرضهم، كما توجهت إلى الأطباء متمنيةً عليهم التعامل مع المرضى بضمير وعدم النظر إليهم على أنهم مصدر رزق وحسب.
* ضرورة الثقة والعلاقة الإنسانية
من جهته اعتبر الدكتور عكوش أن العلاقة بين الطبيب والمريض تبدأ من اللقاء الأول موضحاً أن التعاطي مع المرضى وحسب تجربته، يعتمد على عدة معايير منها: العمر، الثقافة، المستوى الاجتماعي وحتى التربية لأن هذه المعايير ترسم حدود العلاقة بينه وبين المريض، وأضاف: "أنا أرغب في الوصول دائماً إلى علاقة شفافة بيني وبين مرضاي حتى يثقوا بي ويقدموا لي كل المعلومات المطلوبة مع التأكيد دوماً على وجوب أن يكون الطبيب هو المدير في هذه العلاقة وهو الذي يوجه ويطلب ما هو ضروري من فحوصات طبيّة وتقارير لا المريض".
أما عن حقوق المريض التي يجب أن يحصل عليها من الطبيب فلفت الدكتور عكوش إلى أن علمه وتجربته العملية في الخارج علّماه أهمية إعطاء المريض حقه سواء في الوقت المخصص له أم في الشرح المطلوب عن المرض، مضيفاً: "أطالب مرضاي دائما بضرورة البحث والقراءة عن أمراضهم والتّعرف إلى كلّ ما يتعلّق بها، كما أحاول أن أكون دائم الاطلاع على آخر المستجدّات العلميّة والدوائيّة المختلفة لإعطاء مرضاي أفضل ما يمكن من المعلومات الخاصة بأمراضهم".
* من حق الطبيب الالتزام بإرشاداته
أما عن حق الطبيب على مريضه فأكد الدكتور حسن أن أوَّل الحقوق وأهمها الالتزام بالتعاليم التي أعطيت له سواء في أوقات تناول الأدوية أم من ناحية الممنوعات التي عليه الالتزام بها، وأضاف: "من حقي عليه احترام رأيي ووقتي والمواعيد التي يأخذها مني، كما عليه أيضاً أن يكون صريحاً وشفافاً معي"، لافتاً: "على الطبيب أن يحافظ على حق السريّة عند المريض في حال أراد إخفاء بعض المعلومات المرضيّة عن ذويه أو عائلته".
وفي الختام، طلب الدكتور عكوش من المرضى أن يحترموا رأي الطبيب الذي يعالجهم وعدم اللجوء إلى الصيدلي دون استشارة الطبيب المختص.
أما الأطباء فتمنى منهم إعطاء الوقت الكامل للمريض والتحلي بالإنسانية في التعامل معه، كما حذّر من الاستشارات الطبية ووصف الدواء على الهاتف دون معاينة طبية لان ذلك قد يؤدي في بعض الحالات إلى نتائج لا تحمد عقباها.