مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

اعرف عدوك‏: عصر الإنحدار اليهودي‏

حسن زعرور


"ما الذي يجعل من اليهودي يهودياً؟ الجنسية أم العرق؟ أم كونه ولد كذلك أم الدين؟... أم أنه عقاب... ينزله الآخرون عليه"(1)؟ حيرة دائمة يتخبط بها الوجود اليهودي، هل هو إسرائيلي أم يهودي! وهل يعبّر مصطلح اليهودية عن إطار قومي أم ديني؟ وماذا عن مصطلح شعب اللَّه المختار البالي في زمن الحضارة العظمى؟ ودولة اليهود أشرقية هي أم غربية؟ وهل هي آمنة أم أنها دولة الوهم والنهاية؟

ثقة مفقودة لأمة لا تعرف الاستقرار، واليهود اليوم يسيرون على حبلٍ متأرجح في اتجاهات مختلفة كرقَّاص الساعة، ضائعون بين العصرنة والانغلاق، بين السلوكية الغربية والتحجر الديني، بين الغيتو وبين الرحيل، بين "دولة الوهم ووهم الدولة". عندما غزا الشذاذ أميركا، قضوا على عشرين مليوناً من الهنود الحمر وثمانين مليوناً من سكان أميركا، واستطاعوا تدجين وتذويب من بقي منهم في المجتمع الأمريكي، استلهم اليهود التجربة الأميركية في غزو فلسطين، قتلوا وشردوا أهلها، غير أنهم فشلوا في تذويب الفلسطينين وتدجينهم في المجتمعات المحيطة، كان خطأ اليهود أنهم لم يتعلموا أن الزمن غير الزمن، وأن الفلسطينيين ليسوا الهنود الحمر. وأن السيف لا يمكن أن يحكم الشعوب دائماً وفي كل مكان أو يقهر إرادة البقاء والحريّة، وأن انتصار المعارك لا يعني فناء أمة وبناء أخرى، لقد أقام اليهود لهم دولة قومية في زمن احتضرت فيه دول القوميات ويعلم التاريخ أن من يغلق على نفسه مجتمعه وشعبه ودينه يسير نحو الفناء كما يفعل اليهود الآن، لقد علقوا في مكان واحد لذا "لم يبق مكان في العالم يقتل فيه اليهود إلا إسرائيل... أليست سخرية القدر"(2)؟

* أمراض الشعب اليهودي كثيرة

تحولت دولة اليهود إلى شبكة لا منافذ لها وسط كره لهم لا يزول، وتظلماتهم السابقة من معاملة الشعوب التي كانوا يعيشون بينها انتقلت إلى تظلمات اليهود من معاملة بعضهم لبعض، فالسفارديم يعتبرون أن الأشكيناز تركوا لهم الفتات في دولة الحلم بحيث باتوا مواطنين من الدرجة الثانية، وبين الاثنين يستعر حقدٌ متزايد، فاليهودي الأوروبي الأبيض البشرة الأزرق العينين يمثل "رمز الشباب اليهودي الأسطوري"(3)، وأما اليهودي الشرقي الأسمر أو الحبشي فهو "قبيح جداً، لن يجد له المرء منفذاً كي يحبه" كما تعلن الشاعرة اليهودية "لي كومبرج"، والاحباط يولد اليأس، وموت الحلم دفع بالكثير من اليهود للجوء إلى السحر والشعوذة، لقد تحولت قرية "نتيغوت بات" اليهودية المغربية الصغيرة في صحراء النقب إلى محجة يقصدها آلاف الزوار سنوياً. في "نتيغوت" يظهر الدهاء اليهودي على يد المغاربيين الذين أوجدوا حلاً لليأس اليهودي، طلاسم لفك السحر، تعاويذ لاجتلاب الرزق، حجابات للمحبة، الماء المقدس، وكتابات لطرد الجن، وعرَّافات لاستحضار الأرواح، حتى "المزوزة" التي توضع على باب البيت للبركة تباع هناك. فالمن والسلوى لم تعد تنزل على بني إسرائيل فما البديل؟ "مليون فقير، أربعون ألف مدمن دائم على المخدرات، مايتا ألف فتاة بغاء، وخمسماية ألف يهودي هارب"(4)، "والأمن والسلاح لم يخلقا أمناً لإسرائيل"(5).

* يأس وضياع‏
لطالما ركب الغرور رأس كل يهودي لكثرة ما عُبِّى‏ء "بعبقرية الشعب اليهودي" في الفلسفة، وفي الاجتماع وعلومه، في الاقتصاد والسياسة، في بناء النظم وتطوير الحضارات، كان اسبينوزا وديكارت وتينرويوريل اكوستا، وهاين، وماركس وروزا لوكسبمرغ وترونسكي وفرويد نتاج العبقرية اليهودية كما قيل، غير أنهم ما كانوا ليصلوا إلى عظمتهم لو لم تهيأ لهم أرضية شعبية متحررة وواعية في الدول التي كانوا يعيشون فيها، ولو لم يكن المجتمع الأوروبي برمته متقبلاً يعيش ويناقش التطورات الفكرية ولديه من المعرفة والوعي ما يسمح لمثل هؤلاء بإبداء رأيهم، وما نتاج أفكارهم إلا اقتباس من فكر الشعب حولهم وممن سبقهم بأجزاء المعرفة في فرنسا وروسيا وألمانيا وغيرها، ولو كان هؤلاء يعيشون في أفريقيا مثلاً في ذلك الزمن هل كانوا على ما هم عليه؟.

لقد بات اليهود "يبحثون عن طقوس ضائعة"(6) في بحثهم عن ذات يتعلقون بها هرباً من اليأس، وباتوا عالقين بين ماضي الذكريات وألم الانتماء لدولة المستحيل لواقع مؤلم. ويحاول اليهود عبثاً التخلص من سلوكيات ما حملوه من دولهم قبل القدوم إلى إسرائيل، ذكريات عادات، أذواق، تقاليد، أفكار، مبادى‏ء، وبعد خمسين عاماً وأكثر تستطيع بنظرةٍ واحدة معرفة أصل كل يهودي فاليهود المغاربة والتوانسة لهم أحياؤهم وأسمائهم وشعائرهم وشتائمهم الخاصة أيضاً، واليهود الإيرانيون بقبعاتهم المصنوعة من جلد الحمل الأسود، وأما يهود اليمن فبشعرهم الأسود الطويل، وبناتهم العاملات كخدم لدى اليهود الأوروبيين، أو فتيات بغاء في مقاهي تل أبيب، وأما اليهود الروس والأوكرانيين وباقي المجموعة الشرقية من أوروبا، فلديهم مطاعم لحم الخنزير والنقانق ذات الرائحة المشهورة، في الناصرة سلافيون لا يزالون كأنهم في موسكو، يرتدون المعاطف القصيرة والقلانس الروسية الواقية من المطر، ويقال أن إسرائيل "باتت شرقية في حياتها وتركيبتها البشرية"(7).

* عداء قاتل بين الاصلاحيين والمتشددين‏
اختلف اليهود على دستور دولتهم، لذا لم يتم وضع دستور لها حتى الآن وهو أمرٌ تتفرد به بين دول الكون كله، فالأحزاب الدينية تهدد بضرورة أن يكون الدستور وليد شرائع التوراة والمخطوطات القديمة والشريعة التي كانت أيام داود (هالاكا)، والإصلاحيون يريدون دستوراً لا يرتبط بالدين كي لا يكون "حكومة كهنة" ولم يتم وضع دين رسمي للدولة بل سمح لكل طائفة بتطبيق قوانينها وشرائعها ونظمها فازداد الشرخ، وأدى التناحر والتنافر ومحاولات فرض الرأي بالقوة إلى صدامات دموية لا يكاد يخلو منها سبت، استغل المتشددون انتصار 67 فروجوا أنه "معجزة إلهية" وإشارة إلى أن "الرب حارب مع بني إسرائيل مجدداً ضد أعدائهم العرب"، وراجت مقولاتهم تلك في الفكر اليهودي فكان أن جرفوا أمامهم الإصلاحيين وراح أنصارهم يطاردون منتهكي حرمة السبت ويرجمونهم بالحجارة في الشوارع الرئيسية للمدن، وبالأمس، حطم المتشددون لوحات ثمينة في معرض فني وسط ساحة القدس لأن بعض صور النساء في المعروضات قليلة الحشمة، ورد الإصلاحيون بكتابة شعارات معادية على جدران أحياء المتشددين، لا بل أنهم حملوا رأس خنزير يقطر دماً ووضعوه على عتبة الكينيس اليهودي في الحي، ويقول المتدينون بمرارة "أن مدينة القدس تحولت إلى خمَّار"(8) ورد الإصلاحيون بابتكار بات يعرف "بعرض دراجة يوم خيبر" ينتهكون فيه حرمة السبت بالتجول على دراجة هوائية، لقد وصل الأمر بين الطرفين إلى عداء قاتل، فأطفال كل جهة لا يدخلون مدارس الجهة الأخرى، وتحول الزواج والعلاقات الاجتماعية والخدماتية إلى حرب بين المقاطعات.

تعمل مدرسة "كوهانيم ياشيفا" على إعداد طلاب متخصصون في بناء الهيكل الثالث، أما "صيادو الأرواح" التابعون لحزب شاس فينتشرون في كل مكان، عندما قتل عشرون طفلاً في انقلاب حافلة مدرسية بث التلفزيون العبري مطولاً كلمات الحاخامات عن أن ذلك عائد لغضب الرب على شعبه، لقد دفعت "كتلة الإيمان" بالتطرف اليهودي إلى مداه وبات الصراع لإثبات من هو اليهودي ومن هو المسموح له بأن يكون يهودياً يدمر كل إمكانيات البقاء لشعب بات على شفير الانحدار نحو الهاوية.


(1) عاموس إيليون الإسرائيليون، ص‏327.
(2) بيار ديمرون، ضد إسرائيل.
(3) موشيه شامير، شاعر يهودي.
(4) إحصاء نشرة الدكتور اليهودي عزرا سوهار.
(5) ستيفن غرين، بالسيف، ص‏306.
(6) الحاخام جويل أوزران.
(7) هوار ساشار، تاريخ إسرائيل، ص‏403.
(8) يوسي ميلمان، الإسرائيليون الجدد، ص‏140.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع