﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا
وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا
﴾ (الأحزاب: 105). إن كل يوم يمر على البشرية تظهر معه الحكمة الإلهية في
إرسال الأنبياء والرسل عليهم السلام وتعيين الأوصياء عليهم السلام أكثر فأكثر...
ويظهر معه أن العقل قد تدفنه الشهوات والأهواء المادية فيعود معه الإنسان حيواناً
يقتل ويظلم ويفتك فتك الضواري والسباع ويدمِّر الأرض بعد ازدهارها ورقيّها، كما حدث
ذلك في التاريخ مرَّاتٍ عديدة. من هنا كان إرسال الأنبياء والأوصياء منسجماً مع
السنّة الإلهية في الخلق وهي هداية كل شيء إلى كماله وسعادته
﴿رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ (طه: 50)، فلم يترك شيئاً إلا وجعل له الهداية التي تليق بخلقه وتكوينه،
فأرسل الأنبياء للبشر ليعيدوا العقول إلى فطرتها وكمالها فيخرجوها من ظلمات الجهل
إلى نور الهدى والفكر والمعرفة واليقين والإيمان، ومن حضيض الحيوانية إلى كمال
الإنسانية. ويعبِّر اللَّه سبحانه عن ذلك بقوله تعالى:
﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ
إِلَى النُّورِ ...﴾
(إبراهيم: 14).
ويعبر الإمام الحسن عليه السلام عن سر بعثه الأنبياء عليهم السلام:
"ليثيروا لهم دفائن العقول"،
وفي دعاء الإمام زين العابدين عليه السلام أنه لولا ما
ابتلى اللَّه به الناس من معرفة حمده، "لخرجوا من حدود الإنسانية إلى حدِّ البهيمية".
وإذا وصل الإنسان إلى حد البهيمية، فلا يعود لديه معيار للحق إلا نفسه وشهواته ولو
كان بإبادة شعوب بأكملها.
لذلك كان إرسال الأنبياء عليهم السلام من أجل القضاء على ظلمات الجهل والظلم، ولذلك
كان أعدى أعداء الأنبياء هم الظالمون والجهّال، وكان أتباعهم عليهم السلام من
العقلاء وأفضل الناس بين أقوامهم، ولذلك كان أول هدف للأنبياء عليهم السلام من أجل
هداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور هو مواجهة الطواغيت وكانت البشارة
بولادة النبي صلى الله عليه وآله تعبر عن التهديد بسقوط عروش الظالمين، وهذا نجده
في تواريخ الأنبياء عليهم السلام جميعاً. وقد يكون تصدع عرش كسرى وشرفات قصر قيصر
تعبيراً عن أن النبي صلى الله عليه وآله هو النصر الإلهي ضد الظلم وبزوغ فجر نور
العلم في مقابل ظلمة الجهل. وقد يكون توافق يوم مولده مع مولد ولده الإمام الصادق
عليه السلام دليلاً على توافق النهج والهدف، وفي اشتمال شهر أيار على ذكرى اغتصاب
فلسطين في 5 أيار 1948م وذكرى انتصار المقاومة في 25 أيار 1990، تعبيراً عن أن
الصراع سيبقى مستمراً وستكون قبلته المسجد الأقصى وأن الانتصار سيتحقق على يد وصي
الأنبياء الإمام المهدي عجل الله فرجه "أليس الصبح بقريب".