عماد عواضه
مهداة إلى الطفلة الشهيدة إلهام قصّار في مخيم النصيرات وإلى أخيها الرضيع محمّد:
الثامنة صباحاً... قالت الوكالات، أنَّ طفلة كانت تجمع ورود المخيم تحت أكمامها،
تنثرها في حدائق الوجد، فتأتيها الفراشات تُسرّح شعرها وتجدّله جدائل جدائل،
وتعطّره بعبق الحبق، من ورود آذار. وتطير إلهام، تحملها أجنحة العصافير، إلى غمامة
تنتظرها في السماء، تلتحفها وشاحاً أبيض فتتدلى جدائلها، تنام وتغفو على وشوشات
القمر وحكايات السّفر وتتسامر مع النجوم، تجمعها إلهام في جيوب وشاحها وتذروها في
ليل المخيم، فتشتعل شمعةً شمعةً للعائدين من ليل المخيم لأنهم ذاهبون إلى نهار
فلسطين، وهناك قالت لها الشمس دعيني أغفو في عينيك ليلة، علِّي من نزف جرحك أشعل
قنديل الصباح... وإلهامُ تجمع كلَّ ألوان الدِّماء خارطة، في مساحة عينيها قباب
الأقصى وشمس النهار الذي لا يغيب.
هناك قالت الوكالات إنّ إلهام كان دمها غمامةً
على أفواهِ الجراح، تسقيها من دم الشهادة فتفوح رائحة الأرض في آذار، وفي آذار قالت
الأرض أن زيتونةً اسمها إلهام كانت تنزف زيتاً في قناديل المخيمات وأن ثلاثين دبابة
دخلت مخيم النُصَيْرات وأرادوا أن يقتلعوها من تراب المخيم، تفجَّر دمها وتناثر
زيتاً مغلياً يحرق عيون الغزاة الغاصبين، قالت الأرض في آذار أن إلهام نزفت من
شريان الأرض ليشتعل الربيع وأنّ الأقحوان في هذا العام احتشد على كل الربى، وأنَّ
الفلاحين حاروا في معرفة سرِّ الأقحوان، قالت لهم الغمامة يا أيها الفلاحون إنّ
إلهام رفعتها عصافير الجنَّة إلى الغمام فتناثر مجبولاً مع دمها وأنّ هذا العام
يشتد فيه الخصب في رحم التراب من نزف الطفولة الشهيدة.
إلهام كانت تحلم بعودة أخيها الرضيع الجريح وكانت تجمع له مع إخوتها ألعابه ليوم
الطفل! وما بين الحلم والإنتظار صوبّوا عليها رصاصهم من جهة القلب والعين، وهناك في
وسط البيت تمدد جسدها، جلس إخوتها كل يمسك جرحاً يحيطون بها وكانت تنزف وتنزف، وكل
جرح يقول لا تنسوا أن فلسطين لنا والقدس والمطر والحجر والزهر، لا تنسوا الرضيع
وجراحه خذوه إلى قبري شمعة، ومن نزف جرحه تولد ألفُ بندقية، إجمعوا الجسد مع
الشهداء هنا في النُصَيْرات، إحملوني إلى أطفال العالَم في عيدهم لأضمِّد جراحهم.
يا أخوتي بدمي أخطُّ وصيتي، لا تتركوا الحجر والبندقية وخذوني، إلى بيادر الشمس،
هناك قبري عيون ضوءٍ وجمرة ستحرق عيون الغزاة ولن يمرّوا، هذا دمي أُقحوانةٌ لعيد
الأم، وغمامةُ عطرٍ على أهداب أمي، أتوق إلى حضن أمي علَّها تأتي وتراني وأنام في
حضنها رقدة الشهادة.