قلما نجد على مدى الحياة البشرية أشخاصاً كانوا تجسيداً
لجميع الفضائل التي زرعها اللَّه في النفس الإنسانية، وعرّفها للناس
﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾.
فقد نجد شخصاً اتسم بالكرم، وآخر اتصف بالشجاعة، وآخر بالعدل، وآخر بالحكمة، وآخر
بالزهد وغيره بفضيلة أو أكثر من الفضائل؛ ولكن أن يكون هناك شخص قد جمع في نفسه كل
ما عرفته الإنسانية من الفضائل والصفات الربانية، والأخلاق الإلهية، والمكارم
الروحية، بأبهى، وأجمل، وأكمل وأعظم ما يمكن أن يتجلى ويتجسد في إنسان، فهذا ما لم
نجده إلا في أشخاص معدودين، نسبتهم إلى تعداد البشرية قد تصل إلى درجة يصعب لحاظها.
هؤلاء الثلة من الأولين والقليل من الآخرين اختصرت بهم الحكمة الإلهية، وتحققت فيهم،
وكانوا خلاصتها ومظهرها الأتم، ومُظهريها، ولولاهم لانتفت الغاية من خلق الخلائق،
وبالتالي من خلق الكون، لأنه بدونهم لما عرفت الخلائق طريقها وهدفها، ولما وصلت
إليه، وبناءً عليه لما كان لخلقها هدف وحكمة، ولما خلقها اللَّه. من هنا كان لهؤلاء
ولاية نالوها بجهدهم وجهادهم، واعتصامهم عن كل ما سوى اللَّه سبحانه، فاعتصموا
باللَّه تعالى، وعصمهم اللَّه عزّ وجلّ؛ فكانوا هم السبيل إليه، والمسلك إلى رضوانه،
وبولايتهم وتوليهم تهتدي الخلائق، وتسلك إلى الرضوان، وعلى من جحد ولايتهم غضب
الرحمن.
من نور اللَّه انبثقوا، وبنور اللَّه انتشروا، فأضاؤوا الوجود بنور اللَّه
تعالى. أولهم محمد صلى الله عليه وآله، والثاني علي عليه السلام، وما أدراك ما علي
عليه السلام! أفاض من مشكاة الوحي بمصابيح دجى، وأنوار هدى. علي عليه السلام وما
أدراك ما علي عليه السلام! هو نفس محمد صلى الله عليه وآله، هو علم محمد صلى الله
عليه وآله، هو خلق محمد صلى الله عليه وآله، هو عبد محمد صلى الله عليه وآله هو سيف
محمد صلى الله عليه وآله، هو بدر، وأُحد، والخندق وخيبر، وحنين، هو مجمع الفضائل هو
معنى المؤمنين، هو معنى الصادقين، هو معنى المخلصين، هو سيد أصحاب اليقين، هو الزهد،
هو الحلم، هو العفو، هو الرحمة، هو العطف، هو الكرم، هو الحكم، هو العبادة، هو
السعادة، هو الحق يدور معه كيفما دار، هو العدل، يا للعدل! هو الولي، وأي ولي! هو
جامع كرام المعاني، وما أحوجنا إلى هذا الولي العدل ولي اللَّه! وما أحوجنا إلى
علي عليه السلام، وإلى ابن علي عليه السلام، وإلى وارث علي عليه السلام، ليملأ
الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
يا علي عليه السلام
وإلى اللقاء