نهى عبد اللَّه
استيقظ صباحاً متذمّراً من زوجته التي فتحت النافذة لتهوئة
الغرفة، وسمحت لأشعّة الشمس والحرارة أن تقضّ نومه. نهض متثاقلاً من الحرّ وملوحاً
بغطاء السرير في أرجاء الغرفة: "أريد قهوتي.. ساخنة! وليس كما كلّ يوم.. أعلم
أنك لن تحسني صنعها أبداً".
ارتدى ملابسه بعد حفلة التذمّر من ألوان ملابسه، ونسيانه حقيبة أوراقه في المطبخ،
ومفاتيح سيّارته التي تركها في غرفة ابنه مساء أمس، عندما دخلها حالما وصل إلى بيته
بعد منتصف الليل؛ ليؤنّبه على سهره واختياره رفاقه و...
حاولت الزوجة تهدئته: "ربّما العجلة هي السبب في..."، قاطعها: "بل خمولك.. عليّ
الصبر إلى متى؟!"، وخرج فيما ترك الباب يرتطم بحرية كما كل يوم.
وصل إلى الجامعة، بعد أن انهالت شتائمه على المارّة الذين يعيقون وصوله، وعلى
سيارات الأجرة التي تتوقّف دائماً، وعلى أشعة الشمس التي تسبّب الحرّ وعلى مكتشف
نظرية الاحتباس الحراريّ التي ترعبه. عليه أن يمضي للوصول إلى القاعة باكراً، كما
هو معتاد. خبّأ وجهه عن الطلّاب قبل أن ينهالوا عليه بالتحيّة الصباحية، التي
ستعيقه عن الوصول في موعده، فليس عليه أن يردّ التحية خمسين مرة.
تابع سيره في الممرّ الطويل مسرعاً كرمح ناريّ، متسبّباً بإيقاع رزمة كبيرة من
الأوراق يحملها أحد الطلّاب. لم يلتفت إليه "ما زال شاباً ولن يبذل جهداً في جمعها
عن الأرض" برّر لنفسه. وصل إلى القاعة، أمر بإغلاق الباب خلفه لمنع المتأخّرين من
الدخول بعده، وعلى اللوح كتب عنوان الدرس: "الأخلاق حضارة الإنسان"!