السيّد علي عبّاس الموسوي
في معركة التحدّي بين الحقّ والباطل تتنوّع الحروب،
وتبعاً لذلك تتنوّع الأسلحة التي يتمّ استخدامها. لا ينثني أهل الباطل ولا يتردّدون
في الذهاب في حربهم إلى تجاوز كافّة الحقائق الكونيّة وجعل إنكارها وسيلة لإلحاق
الهزيمة بأهل الحقّ.
ومن أهمّ المظاهر التي يستخدمها هؤلاء في سياق إظهار القوّة أن يظهروا عجز جبهة
الحقّ عن مواجهتهم. وقد تعرّض القرآن الكريم، في سياق حديثه عن تاريخ دعوة الأنبياء
وموقف المنكرين والكافرين بهذه الدعوة، لحالات التحدّي المستمرّ لهؤلاء لجبهة أهل
الحقّ بتنفيذ وعيدها لهم بالعذاب الإلهيّ.
قد يرجع السبب في هذا الإنكار إلى أمر حقيقيّ؛ أي قد يكون الكفر حقيقيّاً في بعض
موارده وصوره، بأن يعتقد هؤلاء، بالفعل، بعجز جبهة الحقّ عن مواجهتهم؛ لكونها فاقدة
للإمكانات أو القدرات التي تسمح لها بذلك. ولكن في موارد أخرى يكون الكفر ظاهريّاً،
مع معرفتهم التامّة بقوّة وصلابة جبهة الباطل، ولكنّهم يتّخذون من الإنكار وسيلة
لإلحاق الهزيمة بأهل الحقّ.
عندما ترتبط المسألة بالفعل الإلهيّ والعذاب السماويّ يكون التحدّي بنزول هذا
العذاب من قبل أهل الباطل حرباً نفسيّة مع معرفتهم، بالفعل، أنّ اللّه على كلّ شيء
قدير.
ولا شكّ في أنّ أهل الباطل يستخدمون ذلك للتأثير على ساحة أنصارهم حتّى لا يصابوا
بالهون والضعف، فيظهرون لهم عجز خصمهم.
ولأنّ غاية أهل الحقّ هي الوصول إلى الهداية الإلهيّة، ولأنهم يحملون الرحمة في
نفوسهم، فلن تصدر منهم المبادرة إلى الشدّة والعنف. وهذا ما شهدته معارك رسول
الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك المعارك التي خاضها أمير المؤمنين عليه
السلام، حتى كان يتوهّم العدو أن ضعفاً لدى خصمه يثنيه عن المبادرة.
وقد يتوهّم بعضهم أنّ هذه نقطة ضَعف في السلوك الإسلاميّ تسمح للعدوّ بأن ينتصر.
ولكن من أعظم ما يشكّل خطراً على الإنسان أن يستهين بقوّة عدوّه، وهؤلاء باستهانتهم
بقوّة المسلمين يضعون اللبنة الأولى في انتصار المسلمين عليهم.
نعم، على عاتق أهل الحقّ أن يظهروا دائماً لأهل الباطل أنّهم، مهما علا شأنهم ومهما
عظمت قوتهم، في غاية الضعف، وذلك ليس بالمقاييس الماديّة، بل بالمقاييس التي تلحظ
مجموع العوامل، ومن هذه العوامل التسديد الإلهيّ، فإذا كنت تقف في جبهة مقابلة لأهل
الحقّ فعليك أن تعلم أنّ جبهة الحقّ يرعاها الإله العليّ القدير الغنيّ.
إنّ المواجهة الإعلامية، اليوم، مع أهل الباطل تتّخذ هذا النمط بوضوح، فهم في كل
الوسائل المستخدمة يسعون لبثّ روح الضعف في جبهة الحقّ من خلال الترويج لعجزها، وفي
مقابل ذلك على أهل الحقّ إظهار قوتهم ومكامن ضعف عدوّهم.
إنّ خطاب أهل الحقّ لأهل الباطل أنّكم لستم في مأمن من أيّ عذاب يريده اللّه لكم،
لأنّكم في غاية الضعف أمام قوة ربّ العباد، وهو منطق القرآن الذي علّمه لأهل الحقّ
ليكون خطابهم على منواله، وقد قال تعالى:
﴿ قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا
فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ *
قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللّهُ إِن شَاء وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ﴾ (هود: 32-33).
وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين.