بأرضِ الشامِ قد حطَّ الرِّحالا | في طلبِ الجهادِ سعى وجالا |
وخلّف بعدَهُ وطناً جريحاً | وخلّفَ بعدَهُ أهْلاً ومالا |
وأُمّاً جُرِّعَتْ كأسَ الرَّزايا | وصوتاً في لهيبِ الصَّمْتِ قالا |
فِراقُكَ يا بُنيّ كوى فؤادي | وبُعْدُكَ يا حبيبَ القلبِ طالا |
وجُرْحُكَ جَمْرَةٌ تكْوي الحَنايا | وموتُك زادَ في القلبِ اشْتعالا |
سَقيتُكَ من رَحيقِ القلبِ حُبّاً | ترشُفَ من حَنانَيهِ الدَّلالا |
وخِلْتُكَ للمَشيبِ تَظلُّ ذُخْراً | وبَعْدَ البُعْدِ لم أُطقِ احْتمالا |
وما خِلْتُ الرَّدى يأتي سريعاً | وبينَ لِقائنا بالبُعْدِ حالا |
شهيدٌ صاغ للأمجادِ سِفْراً | لَوْنِ الدَّمِ فازْدانَتْ جَمالا |
على أرضِ الشّامِ هَوَى صَريعاً | وجَفْني رامَ من دَمِهِ اكْتِحالا |
شهيدٌ شادَ في الفِرْدَوسِ قَصْراً | وفي الدنيا وِسامَ المجدِ نالا |
بَكتْهُ الرِّيحُ عند الصبحِ حُزْناً | بكاهُ البدرُ حينَ الغَيْمُ مالا |
وفاهَتْ مُهْجَةٌ في الشامِ تشْدو | هُنا الشهداءُ قد سَقطوا عُجالى |
هنا في الشام أبطالٌ كُماةٌ | تصُدُّ البَغْيَ تقتحِمُ الجِبالا |
هنا في الشامِ آسادٌ حُماةٌ | ترُدُّ الظُّلْمَ لا تخشى النِّزالا |
شبابٌ في ربيع العُمْر ساروا | لِساحِ الحربِ يَبْغونَ الفِعالا |
بأرضِ الشامِ قد سقطتْ دِماهُمْ | وفوْحُ الدّمِ للمسكِ اسْتحالا |
وقالوا في رفيعِ الصوتِ لَسْنا | نَهابُ الموتَ أو نخْشى القِتالا |
خرجْنا من ديارِ الأهلِ طَوْعاً | قطعْنا الغابَ واجْتَزْنا التِّلالا |
زرعْنا في القُصَيْرِ بُذورَ نَصْرٍ | وفي القَلَمونَ حقّقْنا المَنالا |
وفي عِرسالَ أقسمنا بأنّا | سنُرْدي زمرةً تحوي الحُثالى |
فذاقَتْ من لهيب النار جمراً | ومن كأس الأسى ذاقت وَبالا |
أما عَلِمَ الغُزاةُ بأنّ فينا | لآلِ البيتِ حُبّاً وامْتِثالا |
وأنّ دِماءَنا تهْوى نَبيّاً | يَفوقُ الخَلْقَ خُلْقاً واكْتمالا |
وأنّ لِقائِدِ الأحرارِ عِشْقاً | يفوقُ الوَصْفَ يَجْتازُ الخَيالا |
بِنَصْرِ اللّه قد هامَتْ دِمانا | وفي لُقْياهُ قد رُمْنا الوِصالا |
أيا أسَدَ العروبَةِ يا ابنَ "طهَ" | فخُذْ من "أحمد" نسَباً وآلا |
يحارُ الفكرُ في جَبلٍ أشَمٍّ | وما وَفّى ولا في الوَصْف غالى |
كمالُ الوَصفِ يأخذُ منك حُسْناً | وفي تقْواكَ حقّقتَ الكمالا |
عزيزة محمد علي جميل