أربعة أيّام من المسير المجهد في تلك الوديان، أنهكت قوى "إسلام" الذي أضاع طريقه،
وعلى ظهره حمولة ثقيلة يجب أن يوصلها إلى رفاقه في الخطوط الأماميّة. حاول أن يحافظ
على اتّجاه مسيره، فرافق اتّجاه النهر الذي باتت مياهه زاد "إسلام" الوحيد، وسلاحه
ضد حرارة شمس آب الحارقة... نفد زاده، قلّب جهازه اللاسلكي، الذي نفدت طاقته،
لعلّها تحصل معجزة ما فيعمل.. كان صوت الحشيش اليابس والمحترق إثر قذائف العدو
ّالإسرائيلي، الصوت الوحيد الذي يُؤنسه.
شعر برأسه ينصهر بفعل حرارة الشمس، خارت قواه، وسقط على الأرض: "أيعقل أنْ أموت في
ساحة الجهاد، تعباً؟!" بدا الخيار الوحيد المتاح له أن يعود أدراجه، كإجراء مُتّبعٍ
في حالته، أراحته الفكرة لوهلة... ما زال مُكبّلاً بالتعب، وشيءٌ داخله يئنّ:
"أأعود وأترك رفاقي بلا ذخيرة، وكلّ اعتمادهم عليّ؟! ربما اُستشهدوا.. وباتت
النقطةُ خاليةً أمام العدو!! ماذا لو ضلّوا طريقهم أيضاً؟ ماذا لو عاد الجميع؟!".
بكى لعجزه... تذكّر الحسين عليه السلام وصبره، "كان إماماً، لا مثلنا.. لكن هو
المعلّم والقائد الذي يعطي أمراً واحداً على العنصر تنفيذه من فوره". تذكّر قيادته
التي تضع كل آمالها على صبر المجاهدين وقوّة إرادتهم، رفاقه الشهداء والاستشهاديين
الذين ثبتوا، حيث إرادة الروح حطّمت كثيراً من ركام الموت.
عندها، أصدر أمراً واحداً لنفسه: "المُهمّة الحاليّة هي النصر، والوسيلة هي السير
قُدماً". نهضت روح "إسلام" به، وتحكّمت بجسمه، فلم يعد يشعر بثقل الحمولة ولا
العطش، ولا حتّى العناء..
شقّ طريقه بين الأشجار، ليكتشف أنّ مجموعته على بُعد أمتار قليلة منه، وأن اختبار
إرادته كان يجري عندما وصل، حينها كان التراجع يعني السقوط.
مهما بدت التكاليف صعبة أو مستحيلة، ننجح بها حينما تقودنا الروح والبصيرة.
(*) قصة مجاهد من حرب تموز 2006م .
سوريا
Alwaad Alsadek
2017-12-28 19:57:49
السلام على ارواحكم واجسامكم..عليكم وعلى جهادكم..أحبائي