مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الإعتقاد بالمهدي عجّل الله فرجه ..بريق الأمل في عيون الأمة


الإمام الخامنئي دام ظله


يعتبر يوم ميلاد الإمام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه عيداً حقيقياً للبشرية جمعاء، ولأولئك الذين ظُلِموا أو عُذِّبوا، أو الذين حُرقت قلوبهم، أو سالت دموعهم، أو الذين عاشوا الانتظار، وأولئك الذين تحملوا الآلام طوال حياتهم في أي بقعة من العالم وفي أية فترة من التاريخ البشري، كل هؤلاء شعروا بالفرح والسرور والأمل في مثل هذا اليوم وفي ذكرى هذا اليوم.

إنّ هذا الميلاد الكبير وهذه الحقيقة العظيمة لا تختص بأمة معيّنة ولا بفترة محدّدة بل تعم البشرية جمعاء؛ لأن هذه الحقيقة هي ميثاق اللّه الذي أخذه ووكّده، ميثاق اللّه مع الإنسان، وهي وعد اللّه الذي ضمنه. وقد شعرت البشرية على طول التاريخ بالحاجة المعنوية والقلبية لهذه الظاهرة العظيمة والعجيبة؛ لأنّ التاريخ البشري منذ البدء والى اليوم وحتى إشراقة تلك الشمس امتزج بالظلم والشر والفساد، وإنّ الأمل يدبّ‏ُ في قلوب المظلومين - سواء أولئك الذين تعرضوا للظلم مباشرة أو الذين تحملوا الآلام لمشاهدتهم مظلومية الآخرين - حينما تذكر ولادة ذلك المنقذ العظيم الذي سينقذ التاريخ والبشرية. ولهذا تلاحظون أنّ هذه القضية ليست من مختصات الشيعة، بل إن جميع الأديان والمذاهب تؤمن بحتمية ظهور منقذ وبروز يدٍ إلهية مقتدرة في فترة من فترات التاريخ، وأنّه سيأتي بالمعجزة من أجل إنقاذ البشرية من الظلم والجور. إذاً فهذا اليوم عيد حقيقي، أي أنّ يوم ميلاد الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه هو عيد البشرية جمعاء وللتاريخ وحتى للماضين من الناس، فهو عيد الذين عاشوا في العصر المظلم لفرعون ونمرود وأبي جهل وباقي الحكام الظلمة، وقضوا حياتهم في الفقر والظلم وتحمل الآلام، ولو أنّ أرواح هؤلاء في عالم البرزخ تنال ما تناله بعض الأرواح في ذلك العالم فسيكونون فرحين ومسرورين في مثل هذا اليوم قطعاً. وهذا اليوم يختلف عن غيره من الأيام والأعياد ولم نبالغ في ذلك لو أسميناه عيد اللّه الأكبر.

وحينما يقوم الإنسان بالبحث - وعلى محورين - في مسألة ولادة الإمام المهدي والاعتقاد به‏عجل الله تعالى فرجه فسيشاهد أثار ونتائج مهمة وكبيرة على هذا الصعيد.
المحور الأوّل: في التكامل الفردي لدى الإنسان، فالذي يؤمن بالمهدي‏عجل الله تعالى فرجه سيوفّق أكثر للحصول على وسائل الكمال الروحي والتقرب إلى اللّه سبحانه وتعالى؛ لأنّه سيكون مرتبطاً ارتباطاً روحياً بمحور الألطاف الإلهية ومركز إشعاع رحمة الباري عز وجل. ولذا نرى أصحاب التوجهات الروحية والمعنوية يتوسلون دوماً في مناجاتهم وتوسلاتهم المعنوية بهذا الإمام العظيم، فنفس الارتباط القلبي والتوجه الروحي نحو ذلك الإمام الذي يعتبر المظهر لرحمة وقدرة وعدل الباري جلّ‏َ وعلا يمنح الإنسان كمالاً روحياً ومعنوياً. وهذه المسألة ذات أُفق واسع جداً، لأنّ كل من يرتبط بقلبه وروحه بهذا الإمام المعصوم‏ عجل الله تعالى فرجه سينال نصيبه من هذا الارتباط قطعاً، طبعاً يجب أن يكون ارتباطاً حقيقياً؛ لأنّ لقلقة اللسان لا تنفع كثيراً في هذا المجال، لو أنّ الإنسان توجّه بروحه ووفّر لنفسه معرفة كافية في هذا المجال فسيحصل على نصيبه من ذلك كما قلت. إذاً هذا المحور يمثل ساحة فردية واتجاهاً للتكامل الشخصي والمعنوي للإنسان.

المحور الثاني: ساحة الحياة الاجتماعية العامة وما يرتبط بمصير الشعوب والبشرية بصورة جمعاء. وفي هذا المجال أيضاً يعتبر الاعتقاد بالمهدي الموعود عجل الله تعالى فرجه وموضوع الظهور والفرج والانتظار كنزاً ثميناً تستطيع الشعوب والأُمم أن تأخذ منه الكثير. افترضوا أنّ هناك سفينة قد حاصرتها الأمواج في بحرٍ هائج، وركابها لا يعتقدون بوجود شاطئ‏ للأمان حتى على بعد آلاف الأميال ولا يمتلكون من الطعام والماء ووسائل الحركة سوى الشي‏ء اليسير، فكيف سيكون موقف ركاب هذه السفينة؟ هل يمكن تصوّر أنّهم سيبذلون جهودهم من أجل قيادة هذه السفينة إلى الأمام؟ قطعا كلا، لأنّ الإنسان حينما يشعر بأنّ هلاكه حتمي فأي جهد ونشاط سيبذله؟ لأنّه سيفقد كل أمل له في هذه الحالة. فإحدى الأمور التي يمكن لركاب السفينة القيام بها هي أن ينشغل كل شخص منهم بما يخصه. فمن كان يحبّ الموت بهدوء يستلقي حتى يأتيه الموت، ومن كان من المعتدين على حقوق الآخرين سيسلب حقوق الركاب الآخرين ليبقى حياً لساعات أُخرى. والصورة الأُخرى هي أنّ ركاب هذه السفينة على يقين من وجود شاطئ‏ قريب أو بعيد يمكنهم الوصول إليه، ولا يعلمون كم يبذلون من الجهد للوصول إليه، إلاّ أنهم على يقين من وجود ذلك الشاطئ وإمكانية الوصول إليه. ففي مثل هذه الحالة ماذا سيصنع ركاب تلك السفينة؟ طبعاً سيبذلون كل ما في وسعهم من أجل الوصول إلى شاطئ الأمان، وحتى لو منحوا ساعةً من الوقت فيستثمرون تلك الساعة في الحركة والنشاط الصحيح الهادف ويتعاونون فكرياً وجسدياً لبلوغ الشاطئ. إذاً فللأمل مثل هذا الدور، فبمقدار ما يتواجد الأمل في قلب الإنسان فسيجمع الموت شتاته ويرحل عن ذلك القلب؛ لأن الأمل يدفع الإنسان إلى الحركة والنشاط ويجعله يتقدم ويكافح ليبقى حياً.

افترضوا أنّ شعباً يرزح تحت سيطرة حكومة ظالمة وليس لديه أي أمل بالمستقبل، فسيضطر للاستسلام، ولو لم يستسلم فإنه سيقوم بأعمال عشوائية وغير هادفة، وأمّا إذا كان هناك أمل في قلب هذا الشعب ويعلم أنّ أمامه مستقبلاً مشرقاً، فماذا يصنع؟ من الطبيعي أنه سيكافح وينظم كفاحه ويزيل العقبات التي في طريقه، فالبشرية قد عانت في حياتها الاجتماعية على مرّ التاريخ من المشاكل والصعاب التي وضعها الظلمة والمتسلطون على رقاب المظلومين كركاب تلك السفينة. إنّ الأمل يدفع بالإنسان لأن يكافح ويفتح الطريق ويتقدم، فحينما يقال لكم انتظروا فهذا يعني أنّ الظروف التي تؤلمكم اليوم وتعتصر قلوبكم بسببها ألماً ليست أبدية بل إنّها ستنتهي يوماً ما، فانظروا كم يكتسب الإنسان نشاطاً وحيويةً من خلال هذه الفكرة، وهذا دور الاعتقاد بالإمام الحجة صلوات اللّه عليه وأرواحنا له الفداء الإيمان بالمهدي الموعود عجل الله تعالى فرجه، وهذه هي العقيدة التي جعلت الشيعة يتجاوزون كل تلك العقبات والمنعطفات العجيبة والغريبة التي اعترضت طريقهم إلى اليوم. وأينما تواجد مثل هذا الإيمان والاعتقاد تواجد معه هذا الأمل وهذا الكفاح. ولهذا كانت أهم خطط الاستعمار وأياديه هي القضاء على الاعتقاد بالأمل والكفاح في قلوب أبناء الأُمة، فقد بذلوا الكثير من أجل إطفاء هذا النور إلاّ أنّهم لم يجنوا من خططهم تلك إلاّ الفشل، ونحن على علم بحجم الجهود التي يبذلها الاستعمار - ليس في إيران فحسب بل على مستوى العالم الإسلامي أجمع - من أجل إطفاء هذا النور.

إذاً نفس الاعتقاد بالمهدي الموعود يعتبر عقبة في طريق الاستعمار، في حين أنّ الاعتقاد بهذه المسألة لدى إخواننا من أبناء بعض المناطق ليس بوضوح الاعتقاد الذي نمتلكه اليوم، بل إن اعتقاد أولئك الأُخوة يكتنفه كثير من الإبهام وفقدان الجزئيات، ولم يتضمن مسألة تحديد المصداق والاسم والخصوصيات الأُخرى. وبالرغم من ذلك انتاب المستعمرون الخوف من هذا الأمل الذي كان موجوداً لدى الناس هناك. وفي بلادنا هذه نقل لي أحد كبار العلماء المحترمين - والذي ما يزال على قيد الحياة والحمد للّه وينعم ببركة وجوده أبناء شعبنا - أنّه في أوائل وصول رضاشاه البهلوي الى الحكم - ذلك المتآمر الجاهل والفاقد لكل معنوية ومعرفة - استدعى رضاشاه أحد علماء البلاط العملاء وسأله: ما هي قضية الإمام صاحب الزمان التي خلقت لنا كل هذه المشاكل؟ ويجيب ذلك العالم العميل بما يرضي ميل ورغبة الشاه، ثم يقول له الشاه: إذهبوا وانهوا هذه المسألة وأخرجوا هذا الاعتقاد من قلوب الناس، فيجيبه واعظه العميل، إنّ الأمر ليس بهذه السهولة وتعترضه كثير من المشاكل، ويجب علينا إعداد مقدماته والبدء به تدريجياً، طبعاً هذه المقدمات أجهضت في تلك البرهة من الزمان بفضل اللّه تعالى وببركة وعي العلماء الربانيين والواعين من أبناء البلاد.

إذاً ففي بلادنا أوكلت الدوائر الاستكبارية إلى شخص متآمر غاصب مهمة السيطرة على إيران وثرواتها ومن ثم تقديمها بالكامل للدول الاستعمارية. وقد كانت إحدى وسائل سيطرة ذلك الظالم على أبناء الشعب هي القضاء على الاعتقاد بالإمام المهدي الموعود في أذهان الناس. إنّ الاعتقاد بالمهدي عجل الله تعالى فرجه يعتبر حائلاً أمام استسلام أبناء الأُمة؛ شريطة أن يُفهم هذا الاعتقاد بالشكل الصحيح، فحينما تترسخ هذه الحقيقة بصورة حقيقية في القلوب سيشعر الناس بتواجد الإمام الغائب فيما بينهم. فالبرغم من أنّ الإمام العظيم والعزيز والمعصوم وقطب رحى الوجود ما زال غائباً ولم يظهر إلى الآن إلاّ أنّه حاضر بيننا، وهل يمكن أن لا يكون حاضراً؟ فالمؤمن يشعر بهذا الوجود والحضور بقلبه ووجوده، والمؤمنون حينما يجتمعون ويناجون ويقرأون دعاء الندبة بحضور قلب ويقرأون زيارة آل ياسين ويضجّون بالبكاء فإنّهم في تلك اللحظات يدركون ما يقولون ويشعرون بحضور ذلك الإمام العظيم وإن كان لا زال غائباً.

فغيبته لا تنفي الشعور بحضوره وتواجده، صحيح أنّه لم يظهر ولكنه حاضر ومتواجد في القلوب وفي صميم حياة الشعب، وهل يمكن أن لا يكون حاضراً؟ والشيعي المؤمن هو الذي يشعر بهذا الحضور ويشعر بحضوره بين يديه عجل الله تعالى فرجه. وهذا الشعور يبعث في الإنسان الأمل والنشاط. وشعبنا العظيم الذي يجاهد ويكافح في سبيل اللّه ومن أجل عظمة الإسلام، وأصبح مفخرة لتاريخ البشرية والإسلام، ورفع راية الإسلام خفاقة في هذا العصر، مثل هذا الشعب بحاجة إلى هذا الأمل المشرق أكثر منه أي شي‏ء آخر، والاعتقاد بالمهدي الموعود هو الذي يبعث فيه هذا الأمل. فالشعب الذي يؤمن باللّه ويعتمد عليه سبحانه وتعالى، والشعب الذي يمتلك الأمل بالمستقبل، والشعب الذي يرتبط بما وراء الغيب، والشعب الذي أشرقت في قلبه شمس الأمل بالمستقبل وبالحياة وبالإمداد الإلهي، هذا الشعب لن يستسلم ولن يخاف أبداً، ومثل هذه الصيحات الخافتة لن تبعده عن ساحة المواجهة. وهذه هي خصوصية الجانب المعنوي للاعتقاد بالإمام المهدي عليه آلاف التحية والثناء، فالاعتقاد بإمام العصر عجل الله تعالى فرجه له هذا المستوى من التأثير العظيم سواء في باطن الإنسان أو في حركة المجتمع حاضراً ومستقبلاً، ولذا يجب معرفة وأهمية هذا الإيمان وهذا الاعتقاد.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع