الشيخ إبراهيم بلوط
﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾.﴿وَقَالَ
رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم﴾.
من المعلوم أن الدعاء هو مخ العبادة ولا يتركه إلا مستكبر لقوله تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ
دَاخِرِينَ﴾
وقد فسّرت العبادة في الآية بالدعاء كما في تفسير الصافي سورة غافر آية 60 واستفاض
أن الدعاء أفضل العبادة.
ويستحب الدعاء في جميع الأوقات وقد ورد أن أعجز الناس من
عجز عن الدعاء فهو أحب الأعمال إلى
الله في الأرض وإذا أذن
الله لعبده في
الدعاء فتح له أبواب الرحمة، فالدعاء ترس المؤمن وكهف الإجابة كما أن السحاب كهف
المطر وأن ما من مسلم دعا
الله سبحانه دعوة ليس فيها قطيعة رحم ولا إثم إلا أعطاه
الله إحدى خصال ثلاث: إما أن يعجّل دعوته وإما أن يدّخر له وإما أن يدفع عنه من
السوء مثلها. ويحرم ترك الدعاء كما مرّ سابقاً ومن لم يسأل
الله تعالى من فضله
افتقر، يروى أنه يدخل الجنة رجلان كانا يعملان عملاً واحداً فيرى أحدهما صاحبه فوقه،
فيقول يا رب! بما أعطيته وكان عملنا واحداً فيقول
الله تعالى: سألني ولم تسألني.
ويتأكد الدعاء في أحوال وأوقات عديدة لا نريد ذكرها بتمامها وإنما نشير إلى بعضها
كخوف الأعداء وتوقع البلاء ونزول المرض وهبوب الرياح ونزول الغيث وعند أول قطرة من
دم القتيل المؤمن والأذان وغيرها من الأحوال، وإما قبل طلوع الشمس وغروبها وحينهما
والليل وآخر الليل ووقت السحر وطلوع الفجر. فإذا تبين لنا أهمية الدعاء، نقول بأن
الفرد الأكمل ومن هو واسطة الفيض هو المستحق الأول للدعاء وهو الذي يرانا ولا نراه
وذلك لأمور متعددة بحكم العقل والشرع. فهو المحسن إلينا بالدعاء والدافع للأعداء
وكشف البأساء. فـ﴿هَلْ
جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَان﴾
والإحسان باعث للدعاء بحكم العقل والشرع ومقتضى الجبلة الإنسانية، أحسن إلى الناس
تستعبد قلوبهم. راجع أصول الكافي ج1 ص408 أن الأرض كلها للإمام.
واستجابة دعائنا ببركة وجوده. إذ أن من جملة نعم
الله تعالى العظيمة علينا إذنه
في الدعاء، ومسألة حاجاتنا منه تبارك وتعالى واستجابة دعائنا بمنّه وكرمه لما ثبت
أن وصول جميع نعمه إلينا إنما يكون ببركة وجود إمام زماننا عجل الله فرجه، وثبت أن
إجابة الدعاء من أجلّ النعم بل أعظمها إذ به يتوصل إلى سائر نعمه، تحقق عظمة حق
مولانا صاحب الزمان عجل الله فرجه علينا بسبب كون وجوده وسيلة لحصول هذه النعمة
الجسيمة والموهبة العظيمة فيجب علينا تلافي ذلك بالدعاء له عجل الله فرجه وبسائر ما
يحصل به شكر ذلك الإنعام. ومما يدل بالخصوص على كون وجود الإمام سبباً وواسطة لحصول
هذا الإنعام بالنسبة إلى كافة الأنام:
ما روي في بصائر الدرجات بإسناده عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول
الله
لأمير المؤمنين عليه السلام: اكتب ما أملي عليك، قال علي عليه السلام: يا نبي
الله وتخاف النسيان؟! قال: لست أخاف عليك النسيان وقد دعوت
الله لك أن يحفظك
فلا ينساك، لكن اكتب لشركائك قال: قلت ومن شركائي يا نبي
الله؟ قال صلى الله عليه
وآله: الأئمة من ولدك بهم يسقى أمتي الغيث، وبهم يستجاب دعاؤهم وبهم يصرف البلاء
عنهم، وبهم تنزل الرحمة من السماء وهذا أولهم أومأ بيده إلى الحسن عليه السلام ثم
أومأ بيده إلى الحسين عليه السلام ثم قال صلى الله عليه وآله الأئمة من ولدك. وكذلك
مما يدعونا لأن ندعو للإمام عجل الله فرجه إغاثته للملهوفين منّا ففي توقيعه عجل
الله فرجه على ما ذكر في كتاب الاحتجاج ج2 إلى الشيخ المفيد: "إنا غير مهملين
لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء وأصطلمكم الأعداء"
وليراجع البحار ج53 وجنة المأوى للعالم الرباني الحاج ميرزا حسين النوري. وكذلك هو
المحيي للدين وبه إعلاء كلمة
الله فينبغي الدعاء له ولذا نقرأ في دعاء الندبة:
"أين محيي معالم الدين وأهله" وفي الحديث القدسي: لأظهرن بهم ديني وفي الآية
المباركة
﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾
فقد ذكر في التفسير يكون ذلك الظهور بظهور القائم راجع البرهان ج4 في سورة الفتح.
اللهم كن لوليك الحجة ابن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة
ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها
طويلا برحمتك يا أرحم الراحمين.