مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مع الإمام الخامنئي: الإمام الخميني: جلالٌ وجمال(*)

 


إنّ تحريف شخصيّة الإنسان العظيم يكمن في تجاهل الأركان الأساسيّة التي تتّسم بها شخصيّته، أو تفسيرها على نحو مغلوط، أو تعريفها بصورة محرَّفة وسطحيّة. فإذا كان صاحب هذه الشخصية قدوة وإماماً وقائداً، فإنّ تحريفها خطر ويسبّب خسائر وأضراراً فادحة، ذلك أنّ فعله وقوله سيكونان بمثابة دليل ومرشد للأجيال التي تأتي بعده.

وهذا ما أراد بعضهم إشاعته حول شخصيّة الإمام الخمينيّ قدس سره، حيث يرون أنّ الإمام الخمينيّ قدس سره مجرّد شخصيّة تاريخيّة محترمة، مرّت في تاريخ هذا البلد، وكانت شخصيّة نشيطة ونافعة في يوم من الأيام، وها هو الآن، قد فارق هذه الجماهير وارتحل عنها وانقضت أيّامه، فما علينا والحال هذه إلّا أن نُكنّ الاحترام لهذه الشخصية، ونستذكرها بإجلال وإكبار، ليس إلّا. هناك من يريد أن يُعرّفه بهذه الطريقة ويشيع هذا الانطباع في شأنه، وهذا خطأ.

* خارطة الطريق: التعرّف إلى شخصيّة الإمام
إنّ الإمام هو مؤسّس مدرسة فكريّة وسياسيّة واجتماعيّة. لقد آمن الشعب بهذه المدرسة، وتحرّك ضمن مسارها. وإنّ مواصلة هذا الطريق ومعرفة خارطته لا تتسنّى إلّا عبر معرفة الإمام، التي نقصد بها معرفة أصول الإمام بشكلٍ صحيح، ومعرفة مبانيه الفكريّة، والبحث حول تلك الشاكلة الأساسيّة لفكر إمامنا العظيم. وهذا ما نريد معرفته بشكلٍ صحيح.

لقد كان الإمام فقيهاً كبيراً، وكذلك كان فيلسوفاً وصاحب رأي في العرفان النظريّ، وكان يُعدّ رائداً في المواضيع والمجالات الفنيّة والعلميّة. غير أنّ شخصيّة الإمام البارزة لا ترتبط بأيّ واحد من هذه الأمور؛ وإنّما تجلّت شخصيّة الإمام الحقيقيّة في تحقّق آية ﴿وَجاهِدوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِه (الحج: 27) بمضمونها وتجسيدها، حيث خاض الإمام الخمينيّ العظيم، بما ملك من قدرات وإمكانيّات علميّة بارزة، ميدان الجهاد في سبيل الله واستمرّ في هذا الجهاد حتّى آخر عمره، وأطلق حركة عظيمة، ليس في بلده وحسب، بل في كل العالم الإسلاميّ، وبمعنى من المعاني في أرجاء العالم كافة. وقد أسفرت هذه الحركة عن نتائج منقطعة النظير.

* إنجازان كبيران
لقد تحقّق على يد الإمام قدس سره إنجازان كبيران لم يسبق لهما مثيل في تاريخ البلد:

الإنجاز الأول: الإطاحة بصرح نظام سلطويّ، وراثيّ، وظالم. لقد كان العمل الكبير للإمام إسقاط هذا البناء الفاسد، وتسليم مقاليد الأمور إلى أبناء الشعب.

الإنجاز الثاني: إقامة دولة ونظام مبنيَّين على أساس الإسلام، الأمر الذي لم يسبق له مثيل في تاريخ الإسلام منذ صدر الإسلام الأول.

* الارتباط الدائم بالله
أودّ الإشارة إلى أنّ جهاد هذا الرجل العظيم لا يقتصر على الجهاد السياسيّ والاجتماعيّ أو الجهاد الفكريّ، وإنّما رافق كلَّ حالات الجهاد، منها جهادُ النفس والالتزام بالارتباط الدائم بالله سبحانه وتعالى - وهذا درسٌ لنا.

لقد كان إمامنا العظيم من أهل الخشوع والبكاء. ولطالما كرّر في شهر شعبان المبارك هذه الفقرة من المناجاة الشعبانية، خلال كلماته، قائلاً: "إِلهي هَب لي كمالَ الِانقِطاعِ إِليكَ وَأَنِر أَبصارَ قُلوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها إِلَيكَ حَتَّي تَخرِقَ أَبصارُ القُلوبِ حُجُبَ النّورِ فَتَصِلَ إِلي مَعدِنِ العَظَمَة". هكذا كان سلوك الإمام. فإنّ بكاءه في الأسحار، ومناجاته، ودعاءه، واتّصاله الدائم، كلّها كانت تشكّل الدعم المعنويّ لمتابعة جهاد هذا الرجل العظيم واستمراره.

* منظومة الإمام الفكريّة
إنّ منظومة الإمام الفكريّة تمتلك الخصائص الكاملة لمدرسة فكريّة واجتماعيّة وسياسيّة، فإنّها:

أولاً: تستند وتقوم على رؤية كونيّة: وهي عبارة عن التوحيد، حيث كانت جميع تحرّكاته وأقواله مبنيّة على التوحيد، الذي هو البنية التحتيّة الأساسيّة لجميع الأفكار الإسلاميّة.

ثانياً: مواكبة العصر: السمة الأخرى التي تتّسم بها هذه المنظومة الفكريّة هي أنّها كانت تواكب العصر، وتطرح القضايا التي تعاني منها المجتمعات البشرية. إنّ مناهضة الاستبداد ومواجهة الاستكبار تحتلّ الصدارة في مدرسة الإمام الفكريّة، ولهذا السبب فقد راجت هذه الدعوة وانتشرت في الأرجاء كافّة.

ثالثاً: حيويّة ونشيطة: والميزة الأخرى لهذه المدرسة الفكريّة هي أنّها كانت حيويّة ونشيطة وعمليّة؛ فلم تكن كتقديم بعض الأفكار الجاذبة في مقام البحث، وفاقدة للفاعليّة في ميدان العمل، ولهذا السبب نجح فكر الإمام قدس سره ونهجه، وانتصر وتقدَّم إلى الأمام.

* الإمام أيقظ الشعب
لقد حوّلنا الإمام إلى شعبٍ متحفّز، مندفعٍ، حيويّ ومفعم بالأمل، شعب ذي أهداف سامية، يتمتّع بالنشاط والاندفاع. ولقد استفقنا وقمنا من حالة الإغماء والسبات، نتيجة ما قامت به نهضة إمامنا الجليل، وما أنجزه هذا الرجل العظيم.

إنّ تحريف شخصية الإمام قدس سره تعتبر تحريفاً لنهج الإمام وتحريفاً للصراط المستقيم. وفي ضوء ذلك يتخّذ خطر "تحريف الإمام" طابعاً حسّاساً وهاماً.

* كان مظهراً للّطف الإلهي
لقد بُذلت جهود في زمان حياة الإمام لتحريف شخصيته؛ فالعدوّ كان يحاول أن يعرّف الإمام أو يقدّمه في وسائل الإعلام العالميّة على هيئة شخصيّة ثوريّة متصلّبة عنيفة، على غرار ما نعرفه في تاريخ الثورات الكبيرة والمعروفة في العالم. أجل، فلقد كان الإمام حاسماً لا يتزلزل، وراسخاً في قراراته، إلّا أنّه كان مظهراً للعاطفة واللطف والمحبّة والمواساة والعشق لله ولخلق الله، ولا سيّما بالنسبة إلى الطبقات المظلومة والمستضعفة في المجتمع.

وقد عمدَ بعض أعداء الداخل إلى تحريف شخصيّة الإمام حتّى في فترة حياته، فكانوا ينسبون إليه كلّ ما يحلو لهم، حتى أنّ بعض الأقوال وبعض التصريحات كانت تُصوّر الإمام بصورة إنسان ليبراليّ، لا يتقيّد بأيّ قيد وشرط في سلوكه تجاه المسائل السياسية، والفكرية والثقافية أيضاً. وهذه النظرة أيضاً شديدة الانحراف، وتخالف حقيقة الأمر.

إن شعبيّة [محبوبيّة] الإمام في قلوب الناس حقيقة خالدة، لم يتمكن العدوّ من القضاء عليها سابقاً. ومن هنا تُعتبر قضية تحريف شخصية الإمام المغروسة في قلوب الكثير من الناس -في داخل البلد وخارجه- خطراً كبيراً.

 


(*) كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في الذكرى السادسة والعشرين لرحيل الإمام الخميني قدس سره - 04/06/2015م.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع