السيّد علي عبّاس الموسوي
تفرض طبيعة الصراع المستمرّ بين الحقّ والباطل أنْ يتزوّد
كلا الفريقين بما يضمن له الانتصار وإلحاق الهزيمة بالآخر. وعندما تنتقل القضية إلى
اختيار الوسائل والأدوات التي تُستخدم في هذا الصراع، فإنّ ما يحكم ذلك أولاً هو
إنسانيّة الإنسان، فهل يتجاوز إنسانيّته ليتصرّف بمنطق الأضلّ سبيلاً، على ما ورد
في الوصف القرآنيّ لأولئك الذين أعطاهم الله العلم والمعرفة، وسخّر لهم السموات
والأرض، ولكنّهم اتّبعوا شهواتهم وأحقادهم، ولم تتحكم عقولهم حتّى في إدارة الصراع
مع خصومهم؟
وأمّا صفة أهل الحق في صراعهم، فهي أنّهم لا يخرجون عن المرسوم الموضوع لهم من قبَل
ربّهم وخالقهم، ولا يخرجون عن إنسانيتهم. فتبقى الرحمة للعالمين هي الحاكمة على
تصرّفاتهم وسلوكهم في كلّ ما يقومون به، في كلّ حالات الصراع العارضة من انتصار أو
إخفاق.
أهل الحقّ، يأخذون بتكليفهم الإلهيّ في أن يكون جهادهم لله حقّ الجهاد، بمعنى
الالتزام التامّ بأوامر الله عزّ وجلّ ونواهيه في كلّ تصرّف يقومون به في صراعهم مع
أهل الباطل.
وحركة جهاد أهل الحقّ تعود في الأساس إلى الوظيفة التي جعلها الله على عاتقهم، وهي
أنّهم الشهداء على الناس، فلهم دور يؤدّونه بتكليف من خالقهم. ووظيفة الشهداء على
الناس هي وظيفة الرسل والأنبياء. وبعد أن ختمت النبوّات والرسالات أصبح التكليف على
الأمّة أن تؤدّي دور الشهداء في ظلّ ولاية الفقيه العادل، فهي تتولّى عملية التقويم
لكلّ انحراف قد يصاب به المجتمع، وهي تتولّى الهداية والإرشاد.
وانطلاقاً من هذه الوظيفة الإلهية الملقاة على عاتقهم، لا يرى أهل الحقّ فرقاً بين
مكان وآخر أو زمان وآخر، فالأرض كلها لله عزَّ وجلَّ، ونصرة الحقّ والعمل على إلحاق
الهزيمة بالباطل وأهله هما واجب مطلق، لم يتقيّد بأيّ قيد. وأداء الشهادة على وجهها
يَفترض عليهم أن لا يقصّروا ولا يتوانوا عن أن يكونوا في أيّ مكان يُفتَرض عليهم أن
يكونوا فيه.
ومن الطبيعيّ أن تفرض هذه الوظيفة مواجهةً واسعةً مع جبهة الشرك، وأن يتّخذ الصراع
أشكالاً متعددة. كما إنّه من الطبيعيّ أن تتكاتف قوى الكفر كلها، وتجتمع في خطّ
المواجهة، وتقف مستخدمة كلّ وسائل الترهيب ومتجاوزة كلّ الحدود والقيود.
ولكنّ التعليم الإلهيّ لأهل الحقّ يتّجه بهم إلى الأسباب الموصلة لهم إلى الانتصار،
والمتمثلة أولاً بأداء التكليف وعدم التخلّف عنه أو التقصير فيه، من إقامة الصلاة
وإيتاء الزكاة. وبعد ذلك، يكون التمسّك بحبل المدد الغيبيّ والإلهيّ هو السند
الداعم والأساس في صراعهم، فلا ينظرون إلى معايير القوّة والضعف الماديّين. وهم
بهذا يمتازون عن أهل الباطل، فالإرادة والاعتقاد الحقّ يجعلان من قوّة الحقّ، وإن
كانت ضعيفة ماديّاً، ذات أثر أعلى. ومتى تمكّن أهل الحقّ من الثبات على المسار
الإلهيّ المرسوم لهم، كان النصر الإلهيّ هو الحليف لهم، والمحقّق لانتصاراتهم على
أهل الباطل.
﴿وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ
هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ
أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا
لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ
فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ
فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ (الحج: 78).
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.