أبصرتُ النور على غصن شجرة شامخة على جبل شامخ من جبال لبنان
الأبيّة... فيؤها على كلّ الوطن وجذورها ممتدة فيه.
غذّتني أمي وأبي بحب الأوطان حتى اشتدّ عودي ونبت جناحاي.
في صباح حبّ دفعني والداي، فتحت جناحَيَّ وحلّقت في سماء وطني الأبيّ. وأوّل شيء
شدّني إليه مدينة كبيرة هي بيروت الحبيبة، عشقتها وتعلّق قلبي بها وبتّ لا أفارقها.
وبعد حين رأيت أياديَ قبيحةً تمتدّ إليها من كل جانب... ورأيت ألسنةَ نارٍ قبيحة
يبثّها تنّين حاقد من ناحية الجنوب ووصلت إلى بيروت فقتَلت كل جميل فيها، وسقط آلاف
الشهداء.
عُدت إلى أهلي، هناك رأيت شعاعاً يشعّ من بعيد على تلك الشجرة. ورأيت العجب منها إذ
شربت جذوعها دماء وأرواح كل أولئك الشهداء، وانتفضت بكل كيانها وأخرجت من كل الوطن
رجالاً، انتشروا في الجنوب والبقاع الغربي وبينهم زبرجدة خضراء تضيء لهم جهة المسير
وما لبثت هذه الزبرجدة أن أحرقها ذلك التنين وخرجت من روحها زبرجدة أخرى وأكملت
الطريق.
وكنت بين الفينة والأخرى أزور هؤلاء الرجال في القرى والجبال، وهناك في جبل صافي
الأبيّ أخبرني عصفورٌ، أنَّ أحد هؤلاء الرجال أطعمه وسقاه وداعبه حتى استأنس.
وفي اليوم التالي علم ذلك العصفور بأنّ صاحبه استشهد فبكى وتألّم وبقي مع رفاق
الشهيد يذهب معهم أينما ذهبوا.
وكانت في تلك الثغور آيات من الطهر والقوة والبأس، يضربون أذيال ذلك التنين؛ ويسقط
منهم شهداء، وتشرب دماؤهم وأرواحهم جذور تلك الشجرة، وتمدّهم برجال من جديد، حتى
بزغ فجر الانتصار في العام 2000 وتحرّر كل الوطن.
إدريس المقداد