شبابيك اجتماعيّة | بيوت نظيفة... شوارع متّسخة! آخر الكلام | “ ما أدري!” الافتتاحية | لو كانت الزهراء عليها السلام بيننا! هل يدرك الذكاء الاصطناعيّ الله؟ برمجةُ «الروبوت» فرص حياة جديدة كيف استغلّ العدو الذكاء الاصطناعيّ؟ الذكاء الاصطناعيّ بين الإبداع والخداع التحوّل التعليميّ في عصر الذكاء الاصطناعيّ الإمام الخامنئيّ دام ظله: احترفوا الذكاء الاصطناعيّ مع الخامنئي | التبيين في نهج السيّدة الزهراء عليها السلام*

كيف استغلّ العدو الذكاء الاصطناعيّ؟

رؤبال ناصيف


لم تكن معركة أولي البأس في العام 2024م مجرّد مواجهة عسكريّة عابرة، بل لحظة فاصلة بين زمنَين: زمن الميدان وزمن المعرفة، بحيث خاض العدوّ الإسرائيليّ الحرب بعقلٍ إلكترونيّ يستطيع أن يكشف كلّ شيء، بينما خاضتها المقاومة بإرادةٍ ميدانيّة ترفض الانكسار.

كانت النتيجة، كما وصفتها مراكز الأبحاث الغربيّة، «تعادلٌ مُنهك، أعاد تعريف معنى الردع في الشرق الأوسط».

* أوّلاً: مشهد الحرب كما رآه المراقبون
خلال أسابيع القتال، نفّذ العدوّ الإسرائيليّ مئات الغارات الجويّة الدقيقة على مواقع قياديّة وبُنى لوجستيّة تابعة للمقاومة. وقد أظهرت خلاصات مراكز الأبحاث الغربيّة وتقارير الميدان أنّ دقّة هذه الضربات استندت إلى منظومة استخباريّة معقّدة تجمع بين الاستطلاع الفضائيّ، واعتراض الاتّصالات، والتحليل الفوريّ بالذكاء الاصطناعيّ. في المقابل، حافظت المقاومة على قدرة ناريّة فعّالة حالت دون أيّ احتلالٍ برّيّ واسع، وقد كان هدفاً واضحاً للعدوّ، وأجبرته على الاكتفاء بعمليّات محدودة قرب الحدود.

لم تشهد الحرب سيطرة إسرائيليّة مستدامة على أراضٍ لبنانيّة، ما يعني أنّ الصمود الميدانيّ للمقاومة بقي قائماً على الرغم من الكلفة الباهظة. يخلص المشهد العام إلى أنّ: «من يملك المعلومة يضرب أوّلاً، ومن يملك الإرادة يبقى ثابتاً حتّى النهاية».

أمّا الأبعاد التي يمكن الإشارة إليها في المشهد العامّ، فهي:

1. تفوّق تقنيّ من دون نصر ميدانيّ: اعتمد العدوّ الصهيونيّ في هذه الحرب عقيدةً جديدة قوامها: «البدء بالضربات الاستباقيّة، وتحويل المعلومة إلى هدف خلال ثوانٍ». وقد أدّت خوارزميّات التحليل التي استخدمتها منظومات الاستهداف الذكيّة، مثل Lavender وHabsora، دوراً محوريّاً، بحيث جعلت «المعالجة الآنيّة» بديلاً عن القرار البشريّ البطيء. وقد أثمر ذلك تفوّقاً في الدقّة والسرعة، لكن من دون أن يتحوّل إلى نصر استراتيجيّ؛ لأنّ الصمود الميدانيّ للمقاومة صدّ أيّ محاولة توغّل.

كانت القرى والأراضي وتفاصيل المناطق مكشوفة بوضوح أمام العدوّ من خلال ما يملكه من أدوات الذكاء الاصطناعيّ والمراقبة، لكنّه على الرغم من ذلك عجز عن احتلالها.

2. صمود الأرض أمام محلّقات السماء: على الرغم من تفوّق العدوّ الجوّيّ والتقنيّ، تمكّنت وحدات المقاومة من التكيّف بسرعة مع هذا الواقع، بسبب:
· اعتمادها خططاً موضوعة مسبقاً تعتمد على اللامركزيّة في حال تعطّلت منظومة القيادة والسيطرة.
· خبرتها العالية والعميقة بالأرض.
· حسن استثمارها وتوظيفها للبُنى التحتيّة الدفاعيّة.
· اعتمادها على شبكة لوجستيّة مرنة مكّنت من استمرار الإمداد.

هذا الصمود جعل أيّ هجوم برّيّ مخاطرة كلفتها عالية للعدوّ، سياسيّاً وبشريّاً، ومنع تكرار سيناريو 1982م. لقد كان يومها الانتصار في البقاء لا في التقدّم.

3. ما وراء دقّة الاستهداف: كثر الحديث عن «العملاء» ودورهم في هذه المعركة، لكنّ التحقيقات المتعدّدة تُظهر أنّ الدقّة في إصابة الأهداف كانت ثمرة دمج استخباريّ جمع بيانات الأقمار الصناعيّة، والمسيّرات، والروبوتات، وتقنيّات اعتراض الاتّصالات وفكّ الشيفرات، وأنظمة التنصّت والإشارات SIGINT، ووضعها أمام أنظمة تحليل تعتمد الذكاء الاصطناعيّ. وقد بقي دور المصادر البشريّة تكميليّاً ومحدوداً يقتصر على التحقّق النهائيّ، لا لجمع المعلومات الأساسيّة.

* ثانياً: الذكاء الاصطناعيّ يدير المعركة
حظيت هذه المعركة بتسميات كثيرة، من قبيل «حرب الأذكياء»، و«حرب الذكاء الاصطناعيّ»، و«الآلة مقابل البشر». وقد شهدنا خلالها الانتقال إلى مستوى مختلف، من الردع الصاروخيّ إلى حرب الذكاء الاصطناعيّ؛ فمنذ 2006م، اعتمدت المقاومة معادلة الردع الصاروخيّ والسرّيّة الميدانيّة. لكن بين العامَين 2014م و2024، تغيّرت ظروف الميدان جذريّاً، حيث تحوّلت المعركة إلى حرب بيانات ومعالجة آنيّة فوريّة لها، وبات العدوّ يقاتل بآلة ذكيّة لا تهدأ، فلم يكتفِ بالتجسّس، بل بنى نظاماً يُحوّل كلّ إشارة إلكترونيّة -الصوت والحركة والصورة- إلى موقعٍ قابلٍ للاستهداف.

* جيش تقنيّ داخل المنظومة العسكريّة
أنشأ العدوّ الإسرائيليّ وحدات علميّة في جيشه تضمّ باحثين ومهندسين يطوّرون أدوات الذكاء الاصطناعيّ العسكريّ. بهذا الواقع، واجهت المقاومة خصماً يمتلك مؤسّسة علميّة موازية لجيشه، فيما بقيت تعتمد على خبرة ميدانيّة تقليديّة وموارد محدودة.

وفي ما يأتي، خلاصة دقيقة لأبرز مكامن التفوّق الإسرائيليّ التقنيّ بحسب تقارير أجنبيّة(1):

1. تفوّق استخباريّ – شبكات المراقبة والاستطلاع: فعّلت وحدات العدوّ، مثل: 8200 خوارزميّات تحليل فوريّ (real-time analysis) لاستخراج مواقع الإطلاق من أنماط الاتّصال الحراريّ والاتّصالات اللاسلكيّة، ما مكّنها من تنفيذ ضربات دقيقة جدّاً على أهداف في الجنوب، غالباً خلال دقائق من اكتشافها.

2. دور الذكاء الاصطناعيّ في تحديد الأهداف: استخدم العدوّ الصهيونيّ أنظمة AI-based Targeting Systems، مثل: «Lavender» و»Habsora»؛ لتوسيع نطاق بنك الأهداف في لبنان. هذه الأنظمة حوّلت بيانات ضخمة (صور، مكالمات، إشارات، مواقع GPS) إلى «قوائم أهداف شبه تلقائيّة»، ما سهّل على سلاح الجوّ اختيار الأهداف وتوزيع المهام بسرعةغير بشريّة. وصفت تقارير أوروبيّة ذلك بأنّه «industrialized Targe Ting»، أي حرب تعتمد على الأتمتة أكثر من التحليل البشريّ.

3. الحرب السيبرانيّة والتشويش الإلكترونيّ: نفّذت وحدات 8200 وLahav 433 عمليّات سيبرانيّة ضدّ شبكات اتّصالات لبنانيّة وإيرانيّة يُعتقد أنّها تُستخدم في تنسيق الاتّصالات الميدانيّة. كما استخدم العدوّ أنظمة تشويش GPS وتشويش GNSS jamming في جنوب لبنان وسوريا، ما سبّب اضطراباً في توجيه بعض المسيّرات.

4. تفوّق جوّيّ ومسيّرات هجوميّة: كان يعمل أسطول الطائرات بدون طيّار (مثل Hermes 900 وHeron TP) على مدار الساعة بقدرة بثّ حيّ وارتباط مباشر مع مراكز القيادة. كما استخدم العدوّ صواريخ «سبايس» الذكيّة الموجّهة بالأقمار الصناعيّة والكاميرات الحراريّة لضرب أهداف في مناطق سكنيّة بدقّة عالية نسبيّاً.

5. إدارة معركة رقميّة/ Digital Command and Control: طبّق العدوّ مفهوم «Network-Centric Warfare» –أي ربط كلّ وحدة (برّيّة، جويّة، استخباريّة) بشبكة رقميّة واحدة تتشارك البيانات فوراً، ما منحها قدرة على اتّخاذ القرار أسرع من المقاومة بدرجات زمنيّة عدّة، أي فوريّة: الملاحظة، والقرار، والعمل.

6. الدفاع الجوّيّ المتعدّد الطبقات: تصدّت أنظمة مثل القبّة الحديديّة (Iron Dome)، ومقلاع داوود (David’s Sling)، وحيتس 3 (Arrow-3) لمعظم الصواريخ قصيرة ومتوسّطة المدى، بنسبة اعتراض تراوحت بين 70–90% حسب تقديرات RAND. على الرغم من ذلك، بقيت الحمولة الكمّيّة (volume of fire) من جانب المقاومة تحدّياً يصعب احتواؤه تماماً.

* ثالثاً: الاستفادة من بيانات الموقع
تحوّل بيانات الموقع أيّ إشارة أو صورة أو تحرّك إلى هدف مكانيّ دقيق، ما يسمح بتوجيه ضربات سريعة ومركّزة على أشخاص قبل انتقالهم، أو على مخازن أو أماكن قبل إخفاء أثرها. أمّا بيانات الموقع، فهي غالباً:

1. بيانات هواتف محمولة/ ميتا داتا (cell-tower dumps, GPS from apps, metadata).

2. اعتراضات اتّصالات وإشارات (SIGINT) عبر وحدات سيبرانيّة/ إلكترونيّة متقدّمة (مثل وحدات إسرائيليّة معروفة).

3. الكاميرات، وصور الأقمار الصناعيّة والطائرات المسيّرة
(imagery + real-time drone feeds) لتأكيد التوقيت والمبنى.

4. تحليل بيانات مفتوحة المصدر (OSINT) مثل: منشورات، صور، مقاطع فيديو تُظهر أماكن أو أوقات حضور العناصر.

* تحويل البيانات إلى أهداف
كيف تُحوّل هذه البيانات إلى اغتيالات/ ضربات فعّالة؟ يكون ذلك عبر مرحلتين يتكامل بهما دور الذكاء الاصطناعيّ مع البشريّ:

1. التقاطع والفلترة: إنّ جمع عشرات الطبقات من البيانات (موقع الهاتف + صورة القمر الصناعيّ + اعتراض اتّصال + تقرير بشريّ) يرفع الثقة بأن الهدف موجود في المكان والزمان المحدّدين.

2. أتمتة واستهداف سريع: تُسرّع أنظمة ذكاء اصطناعيّ وأدوات تحليل من عمليّة تحويل هذه الطبقات إلى «قائمة أهداف» قابلة للتنفيذ خلال مدّة زمنيّة قصيرة.

* حسم الحرب الذكيّة
أثبتت معركة 2024م أنّ الذكاء الاصطناعيّ سيفٌ ذو حدّين. وهنا، قد يطرح أحدهم: لماذا لم ينجح العدوّ في حسم المعركة؟ الجواب: استطاعت المقاومة التعامل مع هذا التقدّم التقنيّ لسببين أساسيّين:

1. البيانات الرقميّة سهلة التضليل: يمكن أن تُترك الهواتف في أماكن بعيدة عن الأهداف. كما إنّ بيانات GPS قد لا تكون دقيقة في ما يرتبط بالمباني الصغيرة.

2. إمكانيّة التستّر والتكيّف: قد تكون المقاومة عمدت لاحقاً إلى استخدام وسائل منخفضة التقنيّة. وهكذا، نجحت في الاحتفاظ بقدرة الردع على الرغم من هذا التفوّق التقنيّ، ما يعني أنّ التكنولوجيا رفعت من كفاءة المعركة، لكنّها لم تحسمها.


(1) تقارير مثل:
- CSIS | Latest Analysis & Briefs (أكتوبر 2024).
- IISS | Sounds Strategic podcast & تحليلات أكتوبر 2024 — ربط عقيدة «المبادأة» بعمليات متعددة الأبعاد (Multi-Domain).

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع