ندى الطويل
كثيراً ما نمرّ على اسم سيّدة عظيمة في الروايات التي تذكر ولادة الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف، وأنها عمّة الإمام العسكريّ عليه السلام، والوحيدة التي علمت بحمل السيّدة نرجس ليلة الولادة، لتساعدها على أمرها وتشهد ولادة نور آخر الزمان... فمن هي السيّدة حكيمة؟
* العمّة حكيمة: مستودع سرّ الإمامة
أحضرت السيدة مليكة أمَّ الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف إلى الإمام الهادي عليه السلام، فقال أبو الحسن عليه السلام (لخادمه): يا كافور، ادعُ لي أختي حكيمة، فلمّا دَخَلَت عليه قال عليه السلام لها: ها هِيَ، فاعتَنَقَتْها طويلاً وسُرَّت بها كثيراً، فقال لها مولانا: يا بنت رسول الله، أخرجيها إلى منزلكِ وعلِّميها الفرائض والسُّنن، فإنّها زوجةُ أبي محمّد وأمُّ القائم عليهما السلام(1).
"ها هي"، عبارة تختصر سرّاً أَطلَع عليه الإمام عليه السلام أُخته السيّدة "حكيمة" قبل وصول السيدة الموعودة التي ستلد مَن يملأ الله تعالى به الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً.
وهذا يدّل على أنّها كانت مستودع أسرار الإمامة، أضف إلى كونها المربية العظيمة التي أوكل إليها تعليم أميرة الروم تعاليم الدين الحنيف.
ولدت هذه السيدة الجليلة في المدينة المنوّرة، وينقل أنّها أكبر أولاد الإمام الجواد عليه السلام، وأمّها السيّدة سمانة المغربيّة. وكانت السيّدة حكيمة ذات مكانة سامية عند الشيعة حيث كانت فقيهة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم في زمانها، وراوية للحديث وكانت ثقة عند أهل العلم والحلم، يثقون بما ترويه.
وكانت ملازمة لأخيها الإمام عليّ الهادي عليه السلام بعد شهادة والدها الإمام الجواد عليه السلام، حيث كانت مستودع أسراره. وورد في أخبار كثيرة أنّها ساهمت مساهمة كبيرة في أمر تزويج الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام من (نرجس) أمّ الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف وأنّ لها دوراً كبيراً في ولادة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف(2).
* لم يَفِهَا التاريخ حقّها
لقد أجحف التاريخ بحقّ هذه العالمة الفاضلة، السيدة حكيمة بنت الإمام الجواد عليهما السلام، رغم أنّها عاصرت أربعة من الأئمة الأطهار عليهم السلام. وربّما يعود ذلك إلى الأوضاع الأمنيّة السائدة آنذاك، والتي كان فيها الإمامان العسكريان عليهما السلام محتَجزَين في منطقة عسكريّة تحت مراقبة السلطة العباسيّة.
* أقوال العلماء في حقّها عليها السلام
ذكرها العديد من العلماء الأفاضل في كتبهم، فقال العلّامة المجلسيّ رحمه الله: "ثم اعلم أنّ في القبّة الشريفة قبراً منسوباً إلى النجيبة، الكريمة، العالمة، الفاضلة، التقية الرضية حكيمة بنت أبي جعفر الجواد عليه السلام، ولا أدري لِمَ لَمْ يتعرّضوا لزيارتها مع ظهور فضلها وجلالتها"(3).
ووصفها السيّد محسن الأمين قدس سره بقوله: "كانت من الصالحات العابدات القانتات"(4).
* سفيرة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف في عصر الغيبة الصغرى
وفي عصر الغيبة الصغرى، كانت من سفراء الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، فكانت تنقل الرسائل والأسئلة إلى الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، وتحمل تواقيع الإمام إلى الناس. كما إنّها روَت بعض الأحاديث، وأحاديثها موثوقة عند الشيعة.
أخرج الشيخ الكلينيّ رواية مسندة للسيدة حكيمة ناسباً إياها للإمام الجوادعليه السلام، حيث قال: "عن محمّد بن يحيى، عن الحسين بن رزق الله أبو عبد الله، قال: حدّثني موسى بن محمّد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر، قال: حدّثتني حكيمة ابنة محمّد بن علي عليهما السلام، وهي عمّة أبي، أنّها رأته ليلة مولده وبعد ذلك"(5).
* عالمة آل محمد
روى الشيخ الصدوق بإسناده إلى أحمد بن إبراهيم، قال: دخلتُ على حكيمة بنت محمّد بن عليّ الرضا أخت أبي الحسن (عليّ الهادي) العسكريّ عليهم السلام في سنة 262 هـ بالمدينة، فكلّمتُها من وراء حجاب وسألتُها عن دِينها، فسَمَّت لي مَن تأتمّ بهم، ثمّ قالت: فلان ابن الحسن عليه السلام، فسَمّته (يقصد سَمَّت الإمام الحجّة ابن الحسن العسكريّ عليهما السلام)، فقلتُ لها: جَعَلني اللهُ فِداكِ، مُعايَنةً أو خَبَراً؟
فقالت: خبراً عن أبي محمّد عليه السلام كَتَب به إلى أمّه(6).
* مقامها في سامرّاء
توفِّيت هذه السيدة الجليلة في مدينة سامرّاء بالعراق، ودفنت بجوار الإمامين العسكريين عليهما السلام.
قال الشيخ المجلسيّ في بحار الأنوار: إنّ في القبّة الشريفة [بسامرّاء]، يعني قبّة العسكريّين عليهما السلام، قبراً منسوباً إلى الكريمة، النجيبة، العالمة، الفاضلة، التقيّة الرضيّة: حكيمة بنت أبي جعفر الجواد عليه السلام(7).
1- منتهى الآمال، الشيخ عبّاس القمّي، ج2، ص366.2-
2- الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص351؛ الإمام الجواد من المهد إلى اللحد، القزويني، ص162.
3- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج99، ص79.
4- أعيان الشيعة، السيّد محسن الأميني، ج6، ص217.
5- الكافي، الكليني، ج1، ص266.
6- كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق، ص501.
7- (م.ن)، ج99، ص79.