مع الإمام الخامنئي | لا تنبهروا بقوّة العدوّ* نور روح الله | لو اجتمع المسلمون في وجه الصهاينة* كيف تكون البيعة للإمام عند ظهـوره؟* أخلاقنا | كونوا مع الصادقين* الشهيد على طريق القدس عبّاس حسين ضاهر تسابيح جراح | إصابتان لن تكسرا إرادتي(1) على طريق القدس | «اقرأ وتصدّق» مشهد المعصومة عليها السلام قلبُ قـمّ النابض مجتمع | حقيبتي أثقل منّي صحة وحياة | لكي لا يرعبهم جدار الصوت

الجمال كنزٌ.. وسرّ


الشيخ محمد باقر كجك


"من يملكُ السُّلطة على إعدامِ أجمل شيءٍ وهبه الله للمرأة: الجمال؟ من يُعدم جمالَ المرأةِ يعدمُ نصفَ جمالِ الكون!" سكتت زهراءُ وعلى وجهها ملامح الغضب.

* نبتة جديدة تربة جديدة
"إنها ساعةٌ أعوذُ بالله منها"، ساعة العصريّة في الشرفة المطلّة على امتداد شارع بئر العبد في الضاحية. "صحيحٌ أنِّي أمٌّ في العقد السَّادس من العمر، إلّا أنَّ لي قلبَ فتاةٍ مراهقة، أحبُّ الحياة، والانطلاق فيها إلى آفاقٍ واسعةٍ. ربما كانت تنشئتي هي الأساس، وتأثيرُ والدي، وزوجي، وأخي العاشق للإمام الخمينيّ { في انطلاقة الثورة الإسلاميّة هي تأثيرات واسعةٌ على حياة قلبي".. تبسَّمت أم أحمد، شربِتْ بقيّة عصيرِ الليمون من كوبها، ثمَّ نظرت إلى ابنتها زهراء أمامها: بينهما مسافةُ مترٍ هي مسافةُ الطّاولة، ومسافةُ أجيالٍ تختزنُ في داخلها كلَّ هذه التغيُّرات التي مرَّت على شارع بئر العبد منذ ثلاثين عاماً إلى الآن.

في النهاية، لا يمكن أن تُزرع نبتةٌ صغيرةٌ على عروق سنديانة: ستموت. النَّبتةُ الجديدةُ تحتاجُ إلى تربةٍ جديدةٍ، وإنْ كانتْ جيناتُها جيناتِ سنديانة.

* ريشة الرَّسم أو أجمل رَسْم؟
"سؤال آخر، أمّي، الثّوب، الأزياء، أليست وسيلةً لإبرازِ الجمال؟ أليس الله جميلٌ يحبُّ الجمال؟ في النهاية الجمال صرخةٌ أصرخها لكي يراني الله". سؤالٌ آخر، دفع بأم أحمد إلى التبسّم، زهراء تبحثُ وتفكّر. السّؤال بحدّ ذاته، مهما كانَ، ليس خطأ في أغلب الأوقات، المهمُّ هو الإجابةُ السَّليمة.

"عزيزتي زهراء، أنا سأسألكِ سؤالاً بسيطاً، أنت تحبّين الرسم، صحيح؟ أي شيء يهمُّك أكثر: أن تمتلكي أفضل ريشة وألوان، أو أن ترسمي أجمل لوحة؟". في النهاية اللوحة الجميلة من الممكن أن تُرسم بأدوات عاديّة أو شبه عاديّة، وإذا اجتمعت كلّ شروط الرسم كان أفضل.

"بالطبع أمي، غاية الفنّان هي الرسم الأجمل! الأسبوع الماضي شاهدت فيديو لرسّامٍ أفريقي يرسم بشكلٍ رائعٍ صورة بورتريه بأعواد القصب المشطوفة!".. قصب لا قيمة ماليّة له.

الجمال وسيلة، وفي اعتقاد الساكنين في الضاحية، أنّ الجمال وسيلةٌ، وأنّ وراءها غايات من الكمال لا تحدّ. أتذكّر أنَّ حرب تموز هنا، كانت حرباً مهولة، تهاوت فيها البنايات الضخمة، كالبسكويت، وتحطّم شيءٌ كثير من معالم الضاحية قبل سنوات. حينها رُفع شعار هام "ستعود أجمل ممّا كانت"، الجمال لم يكن هدفاً ذاتياً، بل كان طريقاً للعزّة وشعاراً للحياة.

إذاً، هل "هو هدف بحدّ ذاته أن تكوني جميلة يا زهراء؟". لا، ليس هدفاً بحدّ ذاته. الجمال هو قرارٌ ذكيٌّ لإعادة بناء الحياة، وفي صميمه تتفجّر متواليات هندسيّة ورياضيّة معقّدة تتحكّم في عمليّة البناء هذه.

* حبّ الجمال.. ذكاء
أن تكون جميلاً يعني أن تبثَّ الحياة في الوقت والزمان والكيفيّة المناسبة. النار، إذا ألقيتها على وقود في محطّة بنزين كانت كارثة، وإذا أُشعلت تحت الذهب لتُعيد صَوغه وبثّ الحياة في زخارفه كانت أمراً معجزاً.

أتعلمين، كلّ مَنْ سعت إلى أن يكون الجمال هدفها، سرعان ما أدركها العجز وعاشت إلى اليوم الذي ترى فيه زوال جمالها، وأصابتها حسرات كثيرة لأنّها -بشكل عام- سخّرت العديد من الموارد والوقت لتحصين جمالها. لا أحد يقدر على إمساك الماء في كفّه، هكذا هو الأمر.

"أمّي، أنا فتاة أحبّ الجمال في كلّ شيء، وأرى أنّ حبّه أمرٌ ذكيّ، أمر يدلّ على ذكائي كأنثى، ولا أستطيع إلّا أن أهتمّ بجمالي!".

* تاجر وصولي.. ومستهلك
نزلت أم أحمد إلى التعاونيّة القريبة، وبدأت تتأمّل الشارع وناسه. التأمّل الذكيّ، يكشف أشياء لم يكن يلتفت إليها الواحد من قبل. بالطبع، هناك تحديثات كثيرة على الشارع منذ ثلاثين سنة إلى اليوم، لكنّ التحديث الكبير الذي بدأ يظهر بشكل لافت، هو الأزياء الجديدة. العقل الذي يصنع الزيّ، هو عقل براغماتيّ، وصوليّ، تاجر، يشتغل على رغبات المستهلك ويصنّع لها البضاعة، أو يصنّع البضاعة وفقاً لفكرته ويعيد قَولَبة المستهلك. والشيء الوحيد الضائع في هذه العملية هو ذات المستهلك. أرى أمامي ضحايا عديدين لعمليّة الاستهلاك الكبرى هذه.

* الأنثى والجمال والحريّة
الحريّة أبواب لا حدود لها، لكنَّ دخولَك في باب، يعني اتّخاذك لمسير إجباريّ لا تراجع عنه في الغالب إلّا بخسائر. قلت في نفسي: ما الذي يجعل زيّاً لفتاة أجمل من زيّ؟ ربما، هو الزيُّ الذي "يبرز" مفاتن الجسم. "يفتن" في اللغة تقال للفضة والذهب إذا حُرِّقا بالنار. ومفاتن الفتاة إذا برزت أحرقت في الشابّ أشياء كثيرة. لا يمكن أن تقول للشاب ألّا يتأثّر، سيتأثّر: كما يتأثّر الماء إذا وضع إلى جنبه شيء له رائحة. تأثّر الشابّ بجمال الفتاة شيء طبيعيّ، لا حدّ له. لكنّ إبراز ما "يحرق" هو أمر ليس من شؤون الحريّة. الحريّة أبواب، والجمال الجسديّ باب له أبواب، متى ما دخلت في باب أصبحت مجبراً على أغلب ما فيه.

وهكذا، إذا لبست الفتاة زيّاً من طبيعته أن يجذب الشابّ، أو يضعه تحت وطأة غضّ البصر ومعاتبة النفس، يصبح زيّاً هجومياً ومؤذياً، للفتاة أولاً لأنه يحجّم من كينونتها ويحدّد عنوانها.

* المرأة والرجل خليفة الله
الزيّ شعار الإنسان. والزي: شعارٌ برّاق، من يلبس زيّ الطبيب طبيب، وزيّ المهندس مهندس، وزيّ المعلّم معلّم، وزيّ الجنديّ جنديّ. وزيّ المرأة ينبغي أن يعلن أنها امرأة. والمرأة في مفهومنا أنّها والرجل "خليفة الله تعالى"، ومظهر أسمائه، وصفاته، وأفعاله. والخليفة صورة لصاحب الملك.

"لست أدري كيف تجاهر فتاة بشكل صريح بإبراز مفاتنها، مثل مظاهرة تصرخ بهتافات تلفت النظر. لست أدري! أين تختبئ إنسانيّة المرأة وراء جذب الرجل؟ إنها محدوديّة قصوى".

الفتاة التي تتعدّى بحريّتها الجماليّة دائرة تأثيرها الحقيقيّ والواقعيّ، ستكون كالمغناطيس تجذب بشكل طبيعي تأثّر الرجل المفطور على حبّ جمال المرأة، وستكون القصّة الباقية: هي قصّة تقليل الخسائر ودفْع الأضرار عن الشاب والفتاة.

رجعت أمّ أحمد إلى بيتها. تنهّدت بشكل قويّ جدّاً، حينما رأت زهراء تبتسم. "أنا، أمّي، صحيح أنّني ابنة هذا الجيل، وأحبّ كوني ابنة هذا الجيل لأسباب كثيرة، لكن أنتِ: ابنة جيلٍ يفهم الأسرار بلطف. سأفكّر بألف طريقة لكي أسيطر على قوّة الجمال عندي. أصلاً هي كنزٌ وسرٌّ، لن أضعه بين يدي أحدٍ لا في الطريق ولا في غيره.. للسرّ أهل، أهل الأسرار لا يفشون أسرارهم".

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع