"مدّعية وكاذبة، تخيّلي أنّ أخاها طُرد من المدرسة بسبب سوء سلوكه"! قالت رنا تلك الكلمات بسخرية لتتلقّفها عايدة مضيفة: "بالطبع! عائلة سيئة السمعة، أخبرني أخي أنّهم عائلة مفكّكة ربّما لأنّ أمها مريضة!".

استرقتا النظر نحو دينا التي كانت تنظر إليهما مذهولة من حديثهما، فحاولت عايدة أن تخفّف عنها بالقول: "لا بدّ أنّك متفاجئة من وضع صديقتنا زهرة الاجتماعيّ، هي لم تكن يوماً من مستوانا الفكريّ والاجتماعيّ!". لم تجب دينا. واستمرّت تنظر بذهول. صاحت رنا: "لا بأس يا دينا، جميعنا خدعنا بها وبأخلاقها، المهمّ أنّنا عرفناها على حقيقتها وسوف نبتعد عنها فلا تقلقي". هزّت دينا رأسها غير آبهة بالنتيجة التي ذكرتها رنا، وسارعت خطاها في ملعب المدرسة حتّى وصلت إلى مقعد بعيد عن أصوات الفتيات المتعالي خبريّات وأحاديث لا تخلو من سخرية أو استهزاء بالآخرين.. كانت بحاجة لأن تجلس وحدها.. وتفكّر..

زهرة تلك الفتاة، التي لا تزال في السابعة عشر من عمرها، تبدو دوماً هادئة الطباع، تواجه صعوبات جمّة في التحصيل المدرسيّ ودوماً تعاني من قلّة التركيز، تبتسم بخجل كلّما سألها الرفاق عن سبب حزنها وتردف خجلة: "لا شيء، الحمد لله أموري بخير".. كيف يمكن أن تتمتّع بهذا الهدوء إن كانت تعايش يوميّاً أجواء متشنّجة في منزلها؟ شعرت بالحنق أكثر حين لاحت لها زهرة من بعيد تلوّح بيدها سعيدة :"دينا، أحضرت لك اليوم عصير ليمون طبيعيّاً، أنا عصرته صباحاً وملأت قنينة لك وأخرى لي". لم تجبها زهرة إنّما انتفضت من مكانها وتوجّهت مباشرة نحو وسط الملعب حيث تجلس عايدة ورنا. كأنّها تذكّرت أمراً مهمّاً كان يجب أن تفعله.. لا بدّ لها أن تخطو هذه الخطوة، يجب أن تتكلّم وتعطي رأيها في هذا الموضوع مهما بدا بالنسبة إلى الآخرين مزعجاً وغير لائق..

وقفت أمام صديقتيها وقالت بهدوء: "صحتين! لقد تناولتما وجبة صباحيّة ثقيلة اليوم، لقد تناولتما لحم صديقة لنا، لذلك أنا مضطرّة أن لا أتكلّم معكما مدة أسبوع على الأقل ريثما تفقدان بعض شهيّتكما على تناول اللحوم البشرية!".

قالت كلماتها بجرأة لم تعهدها في نفسها من قبل ورحلت.. مرتاحة الضمير نحو زهرة لتشكرها على عصير الليمون الطبيعيّ!