من كتاب "قصص الأحرار"
قصص حقيقية رواها المجاهدون، بعضها أغرب من الخيال،
وبعضها مفرح وآخر مُحزِن، ولكنها بكل ذكرياتها المليئة بالفخر والشجاعة والثبات،
شكَّلت الملحمة الإلهية التي غيَّرت وجه التاريخ، نبقى مع المجاهدين يسطّرون لنا
تاريخ المقاومة والانتصار.
اقترب منه الفارس على صهوة جواده العربي الأصيل وابتسم
له ومدَّ يده إليه.. وسرعان ما استجاب، فهو يعيش كل حياته حُباً لهذا الفارس وعشقاً
له، فلم يتردد بعد أن عرفه من النظرة الأولى، إنه الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب
عليهما السلام، ويريد أن يردفه خلفه على جواده، ومدّ يده مستجيباً وإذا بيد الإمام
تشدّ على يده وتنتره نحو الأعلى، نحو صهوة الجواد فتجاوب مع إرادة الإمام، واستقر
خلفه بخفة ورشاقة لم يعهدها في نفسه سابقاً.. كان مطمئناً وواثقاً بأنه لن يقع، مع
أنه لم يركب خيلاً قبل ذلك..
وانطلق الحصان يعدو، فغادر مدينة صور وأخذ يسلك الطريق الصاعدة نحو أعالي جبل عامل،
يعبر الوديان والحقول والتلال والقرى، وهو يعرفها جيداً فهو ابن جبل عامل والخبير
ببلداته وقراه.. ووصل الإمام الحسين عليه السلام وهو خلفه إلى الشريط الحدودي، فعبر
حواجز العملاء ولم ينتبهوا إليه ومرَّت بقربه الدوريات اليهودية ولم تنتبه لوجوده..
حتى وصلا إلى مكان فيه جسر ويهود وآليات.. ولكنه هنا أصبح وحده ولم يعد يرى الإمام
الحسين عليه السلام.. وإذا بانفجار كبير يقع ويحسّ أن جسمه قد اضمحل وضاع وتفتت
واختفى وانتشر في كل مكان مع أنه كان يرى أنه ما زال موجوداً، فهو موجود ولكن بدون
جسمه الذي يعرفه. فالتفت فإذا بأهل البيت عليهم السلام موجودون معه وبقية الشهداء
والحاج جواد ورايات كثيرة. وهنا استيقظ الشهيد هيثم دبوق من نومه ليقصّ هذه
الرؤيا ولتسجّل وتؤرخ صوتاً وكتابة في 19 آب 1987.
دوَّى الانفجار كبيراً، ودمّر كل الأسلاك والألغام، وفتح الطريق أمام المندفعين
لاقتحام موقع علي الطاهر. كان الشهيد هيثم دبوق من أوائل المقتحمين، فكان يرمي وهو
يندفع إلى الأمام وترافق صليات بندقيته يا حسين يطلقها مع كل رشقة.. كان يقول محدثاً
بعد ذلك: فوجئت وأنا أتقدم وأرمي باللحدي على بعد أمتار مني متأهباً وقد سلّ رشاشه
المتوسط وسدّده نحوي.. وفي لحظات تبادلنا إطلاق النار وجهاً لوجه وقلت في نفسي وأنا
أطلق النار عليه وهو يطلق النار علي، هذا أوانك يا هيثم وهذه هي شهادتي وسوف أقتل
من طلقاته في هذه اللحظة.. ولكنني قتلته ولم يصبني مع أنه يرمي برشاش متوسط أغزر من
رشاشي كيف؟ أنا لا أعلم..
في 19 آب 1988، وبعد عام كامل من تلك الرؤيا وفي اليوم
السابع من عاشوراء من أيام شهر محرم، وصل الشهيد هيثم دبوق في سيارته المفخخة إلى
الجسر عند تلّ النحاس.. لم نكن معه حين ذلك لنسأله.. ولكن الأخبار تحدثت عن سيارة
استشهادية استهدفت ثلاث شاحنات للجنود اليهود يتقدمها جيب وخلفها ملالة لحمايتها..
وأن خسائر الجنود الصهاينة فادحة جداً. وفي اليوم التالي أعلنت إسرائيل عن
انفجار في مستودع للذخيرة أدى إلى مقتل خمسة وعشرين جندياً في مستودع!