تحدثنا في المرة الماضية عن المرحلة الأولى من مراحل تربية الطفل التي هي مسؤولية الأهل وتكليفهم الذي ينبغي أن يؤدوه إذا ما دخلوا في هذا العالم.
فالإنسان ما لم يؤدب نفسه بالآداب الإلهية ولم يتعرف على الأهداف السامية للدين الحنيف وما هي الغاية الأصلية من التربية، لن يتمكن من القيام بهذه المهمة الخطيرة وحمل هذه الأمانة العظيمة التي كانت سبباً لبعث الأنبياء وإرسال الرسل.
في المرحلة الثانية يتحمل الإنسان مسؤولية اختيار الزوج المناسب الذي سوف يلعب دوراً حساساً وخطيراً في تربية طفله ويكون له الأثر الكبير في العديد من الإيحاءات الشعورية واللاشعورية التي ترسم توجهاته المستقبلية.
فقد جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما من مولود إلا ويولد على الفطرة ولكن أبواه إما يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه".
فالأهل يتدخلون في البناء العقائدي للطفل ويمكن أن يحرفوه عن جادة الفطرة الإلهية التي فطر الناس عليها. وقد يكون هذا التحريف لا إرادياً، فليس بالضرورة أن يقوموا بذلك بصورة مباشرة وهذا بين وواضح كما هو حال الكفاء والمشركين الذين يعيشون في بلادهم. فإن عقيدة الشرك تنتقل إلى أولادهم نتيجة المحيط والبيئة وتوارث الأفكار الفاسدة والبعد عن التحقيق وصوت الحق. أما ما يعنينا في هذا البحث فهو تلك التربية التي يمارسها بعض المسلمين تجاه أولادهم والتي تؤسس في نفوسهم جذور المسيحية واليهودية. هذه الجذور التي قد تبرز بشكل ردة وكفر في حياة الإنسان أو عند مماته كما حكي عن بعضهم عندما حضره الموت، وفي لحظات الاحتضار قال بصوت عال: "يهودي، يهودي"، رداً على من كان يلقنه الشهادة.
لا يعني هذا بالطبع أن للأهل الدخالة الكاملة في حدوث هذا الأمر ولكن غالباً ما تكون المسألة بيدهم كما جاء في القرآن الكريم حاكياً عن دعاء نوح عليه السلام: ﴿رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً، إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً﴾.
فقد صرح نوح عليه السلام من خلال النظر الإلهي إلى طبيعة المجتمع آنذاك أن الأهل الضالين لن يربوا إلا أولاداً فاجرين كافرين. وهذا ما يحكي عن دو الأهل الخطير في التوجه العقائدي للأولاد.
ولقد بين القرآن الكريم في هذا المجال النقطة المذكورة بقوله: ﴿ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم﴾.
فالجانب الأهم الذي يجب الالتفات إليه هو عقيدة الزوجة أو الزوج، حتى ولو كانت الشروط الأخرى متحققة، كما عبر القرآن ﴿ولو أعجبتكم﴾.
وبهدا يُفهم معنى الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "تخيروا لنطفكم فانكحوا الأكفاء وانكحوا إليهم".
أي الزواج من المرأة الكفوء أو تزويجها للرجل الكفؤ. الكفاءة هنا هي بالدرجة الأولى المسألة العقائدية والإيمانية.
وفي حديث آخر عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "تزوجوا في الحجر الصالح فإن العرق دساس". إشارة إلى أهمية النظر إلى المحيط الذي ولد فيه الزوج أو الزوجة لما له من أثر تربوي على الحياة الزوجية وعلى الأولاد، كما ورد أيضاً عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "إياكم وخضراء الدمن" فقيل: يا رسول الله وما خضراء الدمن؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: المرأة الحسناء في منبت السوء.
تلك النبتة الخضراء التي تنمو في القمامات والقاذورات، كيف سيكون تأثيرها. وما هو ريحها؟ كذلك المرأة الحسناء التي تربت في بيئة سيئة فاسدة لن تعطي إلا السيء وخطرها يكمن في مظهرها الخادع.
هذه الأحاديث وجملة أخرى (سنبينها لاحقاً) تؤكد على أهمية اختيار الشريك في الحياة الزوجية. هذا الاختيار ينعكس بمجمله على كافة أبعاد الحياة فيما يرتبط بتربية الأولاد وتهذيبهم.
وإلى اللقاء في حلقة أخرى في العدد المقبل إن شاء الله