مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

قصة: مـركـز "أ-أ-إ"


أمل عبد الله


"من هناك؟" زعق وهو يقفز مذعوراً من سريره. كان باب الشقة يئنّ تحت القبضات والركلات التي انهالت عليه. "افتح فوراً" جاءه الأمر. "مَنْ هناك؟"، استمرّ يسأل وهو يقترب بحذر من الباب: "افتح فوراً وإلّا...؟". لم تكن هناك حاجة للتهديد، فالباب استسلم فاتحاً مصراعيه: "أنت كاتب مصدّق حالو؟" زمجر صوت قبض على ياقته.

"أأ.. أجل! أنا هو!" أفلتت كلماته دون أن تستأذنه.

"أنت مطلوب للتحقيق".

"و... ولكن ماذا فعلت؟" سأل بصوت مرتجف. سأل وهو يعلم الجواب.

لقد تمّ تحذيره لكنّه كابر وأصرّ على أنّ وضعه مختلف. أصرّ أنّه يعرف كيف يتصرّف ولا يحتاج لنصيحة أحد. ولكنه الآن يقف عاجزاً حتى عن ثني ركبتَيْه، كي يُفلت من قبضاتهم الحديديّة التي اقتحمت فضاءه وراحت تفتشه. "سيدي! وجدنا معه هذا القلم. لقد تمّ بريه استعداداً لاستخدامه!".

"همممم! هكذا إذاً!" قال الضابط وهو ويتأمّل الرأس الرصاصي للقلم: "كنت تنوي استعماله... لقد حضرنا في الوقت المناسب"، ثم تلفّت إلى مرافقه وقال بحزم: "ممحاة! أحضره!".

"حاضر سيدي!"، هتف ممحاة وهو يطوّق "مصدّق حالو" بذراعيه محاولاً اقتلاعه من مكانه. "إلى أين؟!"، جاء سؤاله متوسّلاً. سأل وهو أيضاً يعلم الجواب... إلى المركز... مركز "أ-أ-إ-" للتعذيب!

حُشر في المقعد الخلفي وعُصبت عيناه. دارت عجلات السيارة مطلقة لخياله العنان. حاول أن يتصوّر كيف ستكون حياته في الأيام أو الأشهر أو السنوات القادمة. هل سينتهي به الحال كصديقه "كاتب باس التوبة" أم أنه سيتخطّى هذه الأزمة؟

توقفت السيارة فجأة. فُتح بابها الخلفي، وسُحب إلى داخل مبنى عتيق. اقتيد عبر ممرّات عدّة وهو معصوب العينين. لم يستطع رؤية شيء، ولكنّ رائحة الحبر كانت تفوح من كل مكان، وأنَّات -بعضها مكتوم وبعضها مستغيث- أصمّت أذنيه. سمع صوت باب يُفتح، ثم تلقّى دفعة قوية. لحظات وأوصد الباب. سمع خطىً تتقدّم نحوه، ثم تتوقف. امتدّت يد ونزعت قطعة القماش عن عينيه.

كان الضوء الموجّه نحوه قويّاً، فاستغرق بعض الوقت ليُبصر تفاصيل الغرفة التي ألقي فيها. "إذاً أنت "كاتب مصدّق حالو"، أهلاً بك في أ-أ-إ!" قال الرجل الجالس على مكتب حديدي توسّط الغرفة: "لا شك في أنك كنت تتوقّع قدومنا، خاصّة بعد صدور كتابك الأخير". ظلَّ "مصدّق حالو" صامتاً.

"لا أعرف لماذا تصرّ أنت وأمثالك على التصرّف بهذه الطريقة؟ هل الالتزام بالقوانين صعب لهذه الدرجة؟". أجاب: "أ.. أنا..".

"لا أريد أن أسمع أيّ تبريرات... جميعكم تردّدون نفس الأعذار: لا ندري ماذا يصيبنا! بمجرّد أن نمسك القلم ننسى كل شيء..."، قال الرجل مكشّراً عن أسنانه بقرف، ثم تابع وهو يهوي بقبضته على المكتب المعدني: "تنسون كل شيء! حتّى القارئ المسكين تنسونه، ولا تفكّرون سوى بأنفسكم!".

ارتجف من وقع القبضة، وقال بصوت مخنوق: "لكنّي لم أنس القارئ لحظة واحدة! القارئ يَسكُنني في كلّ حرف أكتبه".

"حقّاً؟! وماذا عن هذه التقارير التي بين يديّ؟! جميعها من قرّاء عانوا ما عانوه من كتاباتك. لدي هنا مئتا بلاغ عن قرّاء ضاعوا أثناء قراءة كتابك الأخير، ولم يتم العثور عليهم لغاية الآن! هذا بالإضافة إلى العشرات الذين أُدخلوا المستشفى، وهم يقبعون في العناية المركّزة نتيجة نوبات ملل حادة أصيبوا بها أثناء القراءة!". -"أنا...".

"اخرس! لم أُنهِ كلامي بعد... كان بالإمكان التغاضي عن كلّ هذه الأمور، لكن أن يصل الأمر لدرجة القتل! ساعات وساعات "أُعدمت" في قراءة "رائعتك" الأخيرة، ودُفنت في مقابر جماعية... ماذا عساي أقول لأصحابها؟ ماذا يمكنني أن أفعل كي أرجع لهم وقتهم المهدور؟! هيّا تكلّم!" زعق الرجل في وجهه. "كنت متأكداً أنك لن تستطيع قول شيء للدفاع عن نفسك... على كلٍّ لقد صدر الحكم بحقك... "تيب إكس"!" نادى الرجل.

فُتح الباب وأطلَّ تيب إكس: "حاضر سيدي!".

"خذه من هنا"، قال ثم تلفّت نحو مصدّق حالو وقال: "لقد حُكم عليك بالعقوبة القصوى: أ-أ-إ". "هل هذا صحيح؟!"، همس "مصدّق حالو" وهو يتعلّق بذراع تيب إكس، ويجرّ قدميه بصعوبة. "هيا، هيا..."، قال تيب إكس مقهقهاً: "عندما ننتهي منك ستودّ لو أنك لم تمسك قلماً في حياتك!". "ولكن ماذا يعني هذا؟"، سأله بعينين دامعتين. سأله وهو يعلم الجواب.

لقد روى له صديقه "كاتب باس التوبة" العملية بالتفصيل.

أ: أجرِ أبحاثاً.

أ: أعدِ القراءة.

إ: استمع لنقد القرّاء.


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع