مقتطفات من سيرة الإنسان العظيم الذي جسد حياة الأولياء والصديقين
● يقول آية الله مظاهري، لقد حضرت الكثير من مجالس الإمام، وأكثر ما كان يلفتني إليه هو أنه حينما كان يُطرح في المجلس إشكال أو سؤال ما كان الجميع يبادرون إلى إبداء آرائهم كلٌّ بحسب موقعه العلمي، باستثناء الإمام فإنه في مثل هذه المجالس يلتزم الصمت إلاّ إذا كان السؤال موجهاً إليه مباشرة فإنه يجيب عليه ولا يزيد.
وينقل آية الله إبراهيم الأميني قائلاً: كنت أحضر دروس الفقه والأصول عند الإمام ودروس الفلسفة عند العلاّمة الطباطبائي. وكانت تربطني مع الاثنين علاقة قوية. وكنت أحب أن أعرف أيهما أقوى في المجال الفلسفي وأتحين الفرصة المناسبة لذلك. إلى أن جاء يوم ودُعي فيه كل منهما إلى مجلس عزاء في المدرسة الحجتيَّة. في الوقت المعيّن حضر الإمام والعلاَّمة، فآتتني الفكرة لتحقيق ما كنت أنتظره. وعندما جلسا طرحت مسألة فلسفية فاستمع كل منهما ولكنهما بقيا صامتين، ثم بعدها نظر العلاَّمة إلى الإمام فتبسّم الإمام، وبهذا التبسّم عهد بالجواب إلى العلاَّمة، فشرع العلامة بالإجابة على السؤال، وكان الإمام يستمع دون أن يقول شيئاً، وبتعبير آخر لم ينشب نزاع المناظرة. بعدها سألت الإمام سؤالاً فلسفيّاً آخر، فنظر نظرة مؤدّبة إلى العلاَّمة وبدأ بالإجابة. وكان العلاَّمة ينصت بشكل كامل إلى الإمام ولكنه لم يقل شيئاً وظل صامتاً.
● ويقول آية الله إبراهيم الأميني أيضاً: أستطيع أن أقول جازما بأن الإمام في كل حياته لم يطلب المرجعية والرئاسة. فبعد وفاة آية الله البروجردي بدأت النشاطات والتحركات من أجل رئاسة وإدارة الحوزة وذلك للوصول إلى المرجعية. وكان طلاب ومحبو كل عالم يسعون إلى تعريفه وإبرازه بين الناس من أجل هذا الأمر.
ونحن أيضاً كنا نميل إلى تعريف الناس بالإمام. أمَّا هو فقد كان مخالفاً جداً لمثل هذه الحركات والأعمال ولم يكن مستعداً للتحرك في هذا المضمار. وفي تشييع الجنازة اشترك بشكل عادي مثل أي فرد ولم يكن يذهب إلى المجالس التي كانت تعقد لقراءة الفاتحة عن المرحوم آية الله البروجردي إلاَّ وحيداً ويجلس في زاوية المجلس. وكان يقول: "الحمد لله، يوجد آخرون، وأنا أستمر في الدراسة والتدريس".
وينقل حجة الإسلام السيد حميد روحاني: جاء أحد الروحانيين إلى النجف الأشرف بعد وفاة المرحوم السيد الحكيم وقال للإمام بأن شخصاً من علماء طهران حمّلني رسالة شفهية يقول فيها: إن عدم اهتمامك ببعض رجال الدين والجهات الروحانية جعل الكثير من الروحانيين يوجّهون الناس إلى تقليد غيركم في أمور المرجعية بعد وفاة المرجع السيد الحكيم. وكان القصد من ذلك تنبيه الإمام إلى هذا الأمر. ولكن الإمام أجابه: "بلّغ سلامي لهذا السيد وقل له أنه كلما ابتعد الناس عنّي فإن ذلك سيريحني أكثر وستكون واجباتي ومسؤولياتي أقل وأسهل".
● يقول حجة الإسلام عبد العلي قرهي: عندما كان الإمام في تركيا كتب تحرير الوسيلة، وبعد ذهابه إلى النجف طبع هذا الكتاب في إحدى المطابع وكان أن عُرَف الإمام على غلافه بالألقاب الرفيعة. فأخذت نسخة من المجلد الأول لأريها للإمام. وكان الإمام جالساً عندما أعطيته النسخة، فلمَّا رأى الغلاف انزعج ورماه إلى الأرض وقال: "لماذا فعلوا هذا دون أن يخبروني، يجب أن تمحى هذه الكتابات عن الغلاف".
ويضيف: طبع بعض أصدقائنا صوراً للإمام، وعندما علم الإمام بذلك طلب كل الصور ولم يأذن لنا بإلصاق صورة واحدة على جدران بعض الأماكن، وفي يوم جاء بعض الأخوة الأفغانيين المتواجدين في النجف ليأخذوا صورة للإمام لتعليقها على حائط الحسينية التي كانوا يقيمون فيها احتفالاتهم، ولكن الإمام لم يقبل بذلك، وبعد إصراري على هذا الأمر، قال: "أنا أنهي الناس عن الدنيا وأقول لهم لا تتبعوا الدنيا والهوى... فهذا هو اتباع الدنيا وهذا هو اتّباع الهوى".
● ينقل حجة الإسلام فردوسي بور: قبل وصول الإمام إلى طهران قادماً من باريس بعد غياب امتد لأكثر من خمسة عشر عاماً، اتصلت لجنة استقبال الإمام في طهران تلفونياً بنا وكنت أنا مسؤول المكتب والتلفون وكان المتحدث من طهران الشهيد المظلوم آية الله الدكتور بهشتي فقال: لقد قمنا بتنظيم برنامج لاستقبال الإمام، ولكي يطّلع الإمام على مجرى الأمور أخبره بما يلي: سنفرش المطار بالسجّاد وسنزينه بالمصابيح وسنأخذه من المطار إلى (بهشت زهراء) بالهليكوبتر. فذهبت إلى الإمام وأخبرته بذلك، وبعد أن أصغى إلي بدقة كعادته... رفع رأسه قائلاً: "لا حاجة لهذه الأعمال أبداً. فإن أحد الطلبة كان قد خرج من إيران وهو يعود إليها الآن. إني أريد أن أكون بين أبناء أمتي ولو سقطت بين الأقدام".