مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

نور روح الله: أفضل العبادة إدمان التفكر



اعلم أنّ للتفكّر فضائلَ كثيرة، فهو مفتاح أبواب المعارف وخزائن الكمالات والعلوم، وهو مقدّمة لازمة وحتميّة للسلوك الإنسانيّ، وله في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة تعظيم بليغ وتمجيد كامل، كما إنّ تاركه مُعيَّر ومذموم.

جاء في كتاب (الكافي) الشريف عن الإمام الصادق عليه السلام:"أفضل العبادة إدمان التفكّر في الله وفي قدرته"(1). وفي حديث آخر: "تفكّر ساعة خير من قيام ليلة"(2). وفي حديث ثالث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ تفكّر ساعة خير من عبادة سنة". وفي حديث غيره: "إنّ تفكّر ساعة خير من عبادة ستين سنة". وعن بعض علماء الفقه والحديث: "ألف سنة". وعلى كلّ حال، إنّ للتفكّر درجاتٍ ومراتبَ، ولكلّ مرتبة نتيجةٌ أو نتائجُ، وسوف نتناول بعضها.

الأول: التفكّر في الحقّ تعالى. وهو ما سنفرد الحديث عنه في هذا العدد.

الثاني: التفكّر في روائع الصنع ودقائق الخلق.

الثالث: التفكّر في أحوال النفس.

*التفكّر في ذات الله تعالى
الأوّل: هو التفكّر في الحقّ تعالى، وأسمائه وصفاته وكمالاته. ونتيجة ذلك هي العلم بوجوده وبأنواع تجلّياته، التي منها الأعيان الواقعيّة والمظاهر الخارجيّة. وهذا أفضل مراتب التفكّر، وأعلى مراتب العلوم.

لا بدَّ أن نعرف أنّ قولنا: "التفكّر في الذات والأسماء والصفات" قد يحمل الجاهل على الظنّ بأنّ التفكّر في ذات الله ممنوع بحسب الروايات، دون أن يعلم أنّ التفكّر الممنوع هو التفكّر في اكتناه الذات وكيفيّتها، حسبما يُستفاد من الأحاديث الشريفة(3). وقد يُمنع غير المؤهّل، من النظر في بعض المعارف ذات المقدّمات الدقيقة. وهذان المقامان يتّفق بشأنهما الحكماء أيضاً. إلّا أنّ استحالة اكتناه الذات الإلهيّة مبرهنة في كتبهم، ومَنْع التفكّر فيها مسلّم به عند الجميع.

أمّا النظر في ذات الله لغرض إثبات وجوده وتوحيده وتنزيهه وتقديسه، فهو الغاية من إرسال الأنبياء والمقصد لآمال العرفاء. والقرآن الكريم والأحاديث الشريفة مشحونة بالأخبار، حول العلم بذات الله وكمالاته وأسمائه. وكتب الأخبار المعتبرة، مثل (الكافي) و(التوحيد) الشيخ الصدوق، تتعمّق في إثبات ذات الله وأسمائه وصفاته. والفرق بين المأثورات عن الأنبياء وكتب الحكماء إنّما هو في الاصطلاحات والإيجاز والتفصيل فقط.

*عدم التفكّر بوّابة الجاهلين
ظهر في القرون الأخيرة بعض الجهلاء في لباس أهل العلم غير العارفين بالكتاب والسنّة والجاهلين بهما، ولا يملكون أيّة رؤية صحيحة، ولا يعتمدون على معيارٍ صحيحٍ أو معرفةٍ بالكتاب والسنّة، وقد جعلوا جهلهم وحده دليلاً على بطلان العلم بالمبدأ والمعاد. ولكي يروّجوا بضاعتهم، حرّموا النظر في المعارف التي هي غاية ما يقصده الأنبياء والأولياء عليهم السلام، والتي امتلأ بها كتابُ الله وأخبارُ أهل البيت عليهم السلام، وراحوا يرمون أهل المعرفة بكلّ شتيمة واتّهام، وسبّبوا انحراف قلوب عباد الله عن العلم بالمبدأ والمعاد، وكانوا سبباً في تفريق الكلمة وتشتيت شمل المسلمين. ولو سأل سائل: لِمَ كلّ هذا التكفير والتفسيق؟ لتشبّث المجيب بالحديث القائل: "لا تتفكّروا في ذات الله". إنّ هذا الجاهل المسكين مخطئ من جهتين:

الأولى: أنّه ظنّ أنّ الحكماء يقومون بالتفكّر في ذات الله، مع أنّهم يرون أنّ التفكّر في ذات الله وكنهها ممتنع، وهذا من المسائل المبرهن عليها في هذا العلم.

والثاني: أنّه لم يفهم معنى الحديث، فظنّ أنه لا يجوز التفوّه بأيّ شيء عن ذات الله المقدّسة مطلقاً.

*التفكّر أفضل العبادة لغير المتحيّرين
سنذكر بعض الأحاديث التي تنهى عن التفكّر في كنه الله تعالى، وتحثُّ على التفكّر في خلق الله سبحانه وتعالى.
ورد في الكافي بإسناده عن أبي بصير: قال أبو جعفر عليه السلام: "تكلّموا في خَلق الله ولا تتكلّموا في الله، فإنّ الكلام في الله لا يزداد صاحبه إلّا تحيّراً"(4).
يدلّ هذا الحديث بذاته على أنّ المراد بالنهي هو التكلّم في كنه ذات الله وكيفيّته ومحاولة تعليله، وإلّا فإنّ الكلام في إثبات ذاته تعالى وسائر كمالاته وتوحيده وتنزيهه لا يوجب التحيّر. هذا احتمال أول، والثاني: لعلّ النهي مُوجَّه إلى الذين يُسبّب التكلّم في هذه الأمور حيرتهم.
والحديث الذي يوضح هذا الأمر هو الحديث الشريف في "الكافي" في باب التفكّر.

وعن الإمام أبي عبد الله (جعفر) الصادق عليه السلام قال: "أفضل العبادة إدمان التفكّر في الله وفي قدرته"(5).
وفي حديث آخر: "إنّ الله عزَّ وجلَّ علم أنّه يكون في آخر الزمان أقوامٌ متعمّقون، فأنزل الله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ..."(6) ما يشير إلى أنّ آيات التوحيد وتنزيه الله والبعث نزلت للمتعمّقين وأهل التفكير.

إذاً، يتّضح من مجموع هذه الأخبار أنّ التفكّر في ذات الله ممنوع إذا كان ذلك في مرتبة التفكّر في كُنه ذات الله وكيفيّته، كما جاء في حديث (الكافي): "من نظر في الله كيف هو، هلك".
أمّا الذين لهم الاستعداد والأهليّة، فيكون من الراجح لهم التفكّر، بل هو أفضل من جميع العبادات.


1.الكافي، الكليني، ج2، ص54.
2.م.ن.
3."تفكّروا في خلق الله ولا تتفكّروا في الله، فإنكم لن تقدّروا قدره"، المحجّة البيضاء، الفيض الكاشاني، ج8 ص193.
4.أصول الكافي، المازندراني، ج3، ص147.
5.الكافي، م.س، ص55.
6.م.ن، ص 91

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع