مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

نصوص تراثية: تذكر يا ولدي حاجتك إليه

السيّد رضيّ الدين ابن طاووس


وأُحدِّثك يا ولدي بحديثٍ جرى لي، مع من يُنسب إلى العلم، فإنّه حضر عندي يوماً وأنا جالس على تراب بستان فقال: كيف أنت؟ فقلت له: كيف يكون من على رأسه جنازة ميّت، وعلى أكتافه جنازة ميّت، وعلى سائر جسمه أموات محيطون به، وفي رجليه جسد ميّت، وحوله أموات من سائر جهاته، وبعض جسده قد مات قبل ممات جسده؟

فقال: كيف هذا؟ فما أرى عندك ميّتاً، فقلت له: ألست تعلم أنّ عمامتي من كتّان، وقد كان حيّاً لمّا اخضرَّ نباتاً في الأرض فيبس، ومات؟ وهذه صدرتي من قطن حيّ أخضر فيبس أيضاً ومات؟ وهذا حولي نبات قد كان قد اخضرّ فيبس ومات؟ وهذا البياض في شعر رأسي وشعر وجهي قد كان حيّاً بسواده فلمّا صار أبيض فقد مات؟ وكلّ جارحة لا أستعملها فيما خلقت له من الطاعات فقد صارت في حكم الأموات؟ فتعجَّب من هذه العظَة وصحيح المقالات. فليكن على خاطرك يا ولدي أمثال هذه العظات.

*اشتغل بذكره وبشكره
ومثال ذلك: يا ولدي محمّد إنّك تحتاج إلى ما تستعمله من آلات المشي وآلات الركوب وآلات التصرّف في الحركات، والسكنات، وآلات المأكولات، والمشروبات. وإيّاك ثم إيّاك أن يشغلك حضور ذلك بين يديك بغير مشقّة عليك من المنعم جلّ جلاله المحسن به إليك، كما أنّك تجد في حياتي أو بعدي لك مليكات وجاهاً عريضاً جليلاً، وكلّ ما تلقّى مهيَّأً على يدي كثيراً كان أو قليلاً، فلا تشغل بشكري أو ذكري عن الله جلّ جلاله الذي أمرني به وحبّب إليّ ومكّنني من استعداد ذلك لك ولإخوتك قبل حاجتهم إليه وحاجتك، بل اشتغل بذكره عن ذكري وبشكره عن شكري.

*تذكّر جلال نعمته
ثمّ تذكّر يا ولدي محمّد، عمّر الله جلّ جلاله قلبك بمكاشفته، وجلال نعمته، ومراقبته وما أنت محتاج إليه في ساعة تشريفك بالبقاء لخدمته غير ما ذكرناه. فإنّ اللسان والقلم والإنسان يعجز أن يحرز جميع معناه، بل كلّ ما احتجت إليه على التفصيل فاذكر عند حاجتك إليه أنّه هدية من مولاك الجليل، فانظر إلى الهديّة بتعظيم واهِبها واشكر جالبها جلّ جلاله ومثال ذلك أنّك تحتاج إلى غلام أو جارية تغنيك بخدمتها على التفرّغ لطاعة مولاك وخدمته. فلا تشغل بذكر الغلام والجارية والشفقة عليهما من سيدك ومولاك المحسن إليك وإليهما. وتذكّر أنه ما كان في مقدورك أن تخلقهما ولا تخلق ما يحتاجان وتحتاج إليه أنت من ثمنهما وتذلّلهما لطاعتك ومؤنتهما وحسن رعايتهما، فكيف يحلّ أو يليق بعاقل أن ينساه أو يُؤْثِر عليه سواه، وما كان يُحَصِّل ما حصَّل لولاه؟

وإياك أن تكون كثرة النِعَم يهون قدرها، ويصغر عندك شرف بذله جلّ جلاله بها، فإنّ العقل ما قضى أنّ كلّما بالغ المولى الأعظم في الإكرام والإسعاف، يبالغُ العبد في الاحتقار لمولاه والاستخفاف، حتى يبلغ الجاهلون إلى مقام الجحود لصاحب الجود، والهلاك في اليوم الموعود، فاحذر أن تتبعهم على الجهالات، فالقوم قد أحاطت بهم مصائب الغفلات وهم في ذلّ الندامات.


(*) كشف المحجّة لثمرة المهجة، السيّد رضيّ الدين ابن طاووس.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع