إن محبة الله سبحانه لعبده يرجع معناه إلى كشف الحجاب عن خلقه حتى يراه بقلبه، وإلى تمكينه إياه من القرب إليه، وإلى إرادته ذلك به في الأزل وإلى تطهير باطنه من حلول الغير به وتخليته عن عوائق تحول بينه وبين مولاه حتى لا يسمع إلا بالحق ومن الحق، ولا يبصر إلا به، ولا ينطق إلا به كما ورد في الحديث القدسي: "ولا يزال العبد يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به".
فيكون تقربه بالنوافل سبباً لصفاء باطنه وارتفاع الحجاب عن خلقه وحصوله في درجة القرب من ربه، وكل ذلك من فضل الله ولطفه به قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيم﴾ وقال: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب" وقال صلى الله عليه وآله وسلم "إذا أحب الله عبداً ابتلاه، فإن صبر اجتباه، وإن رضي اصطفاه"، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا أحب الله عبداً جعل له واعظاً من نفسه وزاجراً من قلبه يأمره وينهاه".
وأخصّ علاماته حبّه لله عزّ وجلّ فإن ذلك يدل على حب الله عزّ وجلّ له وأما الفعل الدال على كونه محبوباً فهو أن يتولى الله تعالى أمره ظاهره وباطنه سرّه وجهره، فيكون هو المشير إليه والمدبِّر لأمره والمزيِّن لأخلاقه، والمستعمل لجوارحه، والمسدد لظاهره وباطنه، والجاعل لهمومه همّاً واحداً، والمبغض للدنيا في قلبه، والموحش له غيره، والمؤنس له بلذّة المناجاة في خلواته، والكاشف له عن الحجب بينه وبين معرفته.