نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

شهيد الدفاع عن المقدّسات حسن خليل ملك (ساجد)

نسرين إدريس قازان

اسم الأم: ابتسام خليل
محل وتاريخ الولادة: بيت ليف 1/6/1993
الوضع الاجتماعي: عازب
رقم السجل: 27
تاريخ الاستشهاد: 8/6/2013

وكان همسٌ من شجون، وأنينٌ بثَّه "حسن"، ومدامع العين تهلّ على الوجنتين بالقرب من جثمان الشهيد القائد محمد بدَّاح (أبو حسن) في سيارة الإسعاف، وهو يردّد: "لن أتأخّر للّقاء يا حاج". وفاض حسن بما يختلج في نفسه من عشق ارتسم على ملامحه، وما رآه الرفاق منه وشى بأنّ روحه قد حلّقت في الملكوت الأعلى قبل أن تفارق الجسد، بعد أيّام معدودة. وكانت أربعين يوماً، حيث التحق "حسن" بقائده، وأُودِعَ قبراً مجاوراً له.

*يعبرون جسور المستحيل

حينما يُستشهد القائد، ويعطي بدمه مصداقاً لكلّ ما عاشه، فإنّ الجنود من خلفه يعبرون جسور المستحيل للالتحاق به. وقلّة هم القادة الذين يتركون في النفوس أثراً لا يُمحى، فكيف إذا كان أحد أولئك الجنود مثل "حسن"، الذي تعلّم من قائده أنّ الجهاد يبدأ بقتل الأنفس قبل خوض المعارك؟!

عاش "حسن" في منزلٍ أُسّست دعائمه على حبّ المقاومة والتضحية. وكانت أمّه تدّخر أولادها لأيّام ترخصُ فيها الأنفس والأرواح، فالأجساد التي غُذّيت بمقولة: "يا ليتنا كنّا معكم" قد خالطت اللّحم والعظم، ولم تكن مجرّد أمنية في نفوس خاوية على عروشها".

*للأمومة معه.. معانٍ جميلة

"حسن"، أصغرُ إخوته الثلاثة، وأكثرهم مرحاً وضحكاً وهدوءاً، تربّى في كنف عائلة يكدُّ فيها الأبوان؛ لأجل تحصيل لقمة العيش. وكم تمنّت أمّه التي انتظرت أن يرزقها الله به طويلاً؛ لينضمّ إلى إخوته، لو قدّر لها أن تترك العمل وتفاصيل الحياة؛ لتركن بقربه، تستقي منه معاني الأمومة الجميلة. فهو، وإن كان ابنها الرابع، ولكنّ انتظارها له لسنوات، زرع في نفسها تعلّقاً خشيتْ في بعض الأوقات منه. فنحن أُمَّة يولد أولادها ويُدّخرون لأيّام عجاف. وكَمن يُدرك أنّ الرحيل لا بدّ منه، اختزنت الأمّ من الذكريات صُرَراً حملتها في زوايا روحها، وتصدّت لاحقاً أمام زوجها لغياب "حسن" بعد التحاقه بالمقاومة، ذلك أنّ الوالد كان يعيش هاجساً ويقيناً أن "حسن" أو أخاه الوحيد سينال الشهادة، فكان "حسن" يترك أمر إبلاغه بالغياب لأمّه.

*تلميذٌ في حضرتهم

في السابعة من عمره، كانت أمّه تأخذه إلى مركز كشّافة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، وتُودِعه هناك بين جدران مركز تربّى فيه العديد من المجاهدين والشهداء. لم يكن مرورهم مرور الكرام في وجدان "حسن"، الذي كان يقطف من مواقفهم دستوراً للحياة، وكأنه تلميذ في حضرتهم، فلطريق الجهاد والشهادة مقدّمات لا بدّ منها.

و"حسن" الفتى الملتزم والمجاهد، لم يكن ذا شخصيّة جادّة، بل حمل من المرح بين جنباته ما أضفى على سهرات العائلة والأصحاب الضحك والمرح، إذْ كان بارعاً جداً في تقليد الشخصيّات، وصاحبَ نكتة جاهزة، فأينما حلّ كان الحديثُ الطيّب والجَمعة الأنيسة.

*الالتحاق برَكْب المجاهدين

في عمر السادسة عشرة، التحق "حسن" بصفوف التعبئة العامّة، وكان يدرك في قرارة نفسه أن عاطفة الأهل ستمنعه من الالتحاق بركب الجهاد، ففضّل ترك المهمّة لأمّه لإبلاغهم بالأمر. ومنذ تلك الأيام كلّما أراد "حسن" الالتحاق بدورة عسكريّة أو مهمّة جهاديّة، همسَ لأمّه قائلاً: "المهمة لك في إبلاغ العائلة"، لأنه يدرك مدى قلقهم، قاصداً بذلك حديثها الطيّب وحِكْمتها في ضبط مشاعرهم.

وبالهدوء الذي اتّسم به مُذْ كان طفلاً، شقّ طريقه في الحياة برويّة وسكون، فأولى الجانب العباديّ الأولويّة في حياته، فذخّر روحه بالعشق، واهتمّ كثيراً بتطوير مهاراته العسكريّة، وإلى جانب ذلك، كان يتابع دراسته بجدٍّ ونشاط في اختصاص "الهندسة الداخلية".

اشتغل في شركة "وعد" لإعمار الضاحية، حيث كشف "حسن" عن وجهه الآخر، الوجه الجدّي المتحمّل للمسؤوليّة، وصار في الحياة لون جديد من ألوان التعب، تعبٌ كان يرتاح منه بين أحضان حديقته الغنّاء التي تفنّن في ترتيبها على سطح منزلهم، فضجّت بالحياة بين الزهور الملوّنة، والأشجار الصغيرة، حيث أحيا السهرات مع رفاقه حيناً، ومع أهله حيناً آخر، وكانت المرّة الأخيرة التي اشترى فيها زهوراً وأشجاراً جديدة لحديقته قبيل انطلاقه إلى سوريا بحوالي يومين، حيث خالف نصيحة والدته بشراء الشتول الصغيرة لتوفير الكلفة الماليّة عليه، وفضّل شراء شتولٍ كبيرة يأنس بها، وكأنّه على علم بقرب رحيله.

*اللّقاء الأخير...

مع بداية الحرب، في سوريا، انطلق "حسن" مع ثلّة من رفاقه للالتحاق بقافلة الدفاع المقدّس. وفي قلب المعركة قضى أيّاماً يسمعُ عن بطولات مجاهدي حزب الله. وقبل استشهاده بأشهر، رأى في منامه سيدة ترتدي عباءة وتفتح باب غرفته حيث ينام وحيداً، سألها مذعوراً: من أنت؟ أجابته: أنا السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، جئت لأقدم لك دعوة للالتحاق بي.

ولإخلاصه في ترداد مقولة: "يا ليتنا كنّا معكم"، رزقه الله فضيلة الجهاد المقدّس للدفاع عن "عقيلة بني هاشم" عليها السلام ضد التكفيريّين، وكان قد شارك في تطهير مدينة القصير من رجسهم، حيث سقط العديد من رفاقه شهداء، منهم قائده وابن بلدته الحاج محمد بدّاح، الذي عاهده "حسن" أنه سيكون بجواره قريباً، وهذا ما كان..

حينما رجع "حسن" من مشواره الأخير في سوريا، كانت أمّه تنتظره كعادتها، ولكن هذه المرة في المغتسل، فاستقبلت ابنها الشهيد بالزغاريد ورشّ الورد والأرز، وأصرّت على المشاركة في تغسيله وتكفينه بنفسها، وكأنّها أرادت في تلك اللّحظات أن تسترجع كلّ الحياة الجميلة التي عاشتها مع "حسن"، وأن تسترقَ آخر اللقاءات بينهما، وآخر اللّمسات.. تاركاً لها في وصيته: "أمي الحبيبة... أعجز عن وصفك وشكرك... أعجز عن مدحك... كوني زينبية حسينية، فأريد أن يكون استشهادي عرساً وليس عزاءً، وواسي سيدة نساء العالمين ببعض مصائبها، وتوكلي على الله، وسامحيني".

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع