مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

لا ملجأ إلا إليه

السيد حسين فضل الله

لجوء الإنسان إلى الله تعالى هو تعبيرٌ عن اعتقاد صادق، بأنّه يمثّل المأمن والملاذ في السرّاء والضرّاء. بينما الإعراض عنه -سبحانه وتعالى- وعدم اتّخاذه ملاذاً ومستجاراً، إنّما هو تعبير عن ضَعف الاعتقاد والارتباط به تعالى، وقلّة الإيمان بالموقع والدور الإلهيّ اللّذين يمثّلهما الخالق تجاه المخلوقين. وكثيراً ما يُسرع المرء إلى الله إذا أعْيَتْه السُّبل، وسُدَّت في وجهه وسائل النّجاة، حتى لو لم يكن من المؤمنين.لذا سنبسُط البحث حول هذه الأفكار لتبيانها.

1- التعلّق بالماديّات

كلّما كان نظرنا قاصراً ومحدوداً ومقيّداً بما تلحظه العين، أو تمسّه اليد، أو تلتذّ به الجوارح، كان التعلّق بالماديّات غالباً على ما عداها، فالإنسان الذي لا يسرح نظره إلّا في ساحة التعلّقات الدنيويّة، سوف لن يأنس أو يميل أو يستحضر الله في حياته واحتياجاته وتعلّقاته، ولذا، فإنّه يُفني عمره بحثاً عن هذه الماديّات، ويعلّق عليها كبير الآمال، ويعادي في حبّها الأهل والإخوان، بعد أن تسقطه في حبائل الارتهان.

2- توهّم الرازق الحقيقيّ

قد يتوهّم بعض الناس أنّ الرزق بيد إنسان ما، فيصبح هذا الإنسان محجّة ومقصداً، وتتوجّه إليه الأنظار، وتُنقل إليه الجفان، ويخاصَم في التودّد إليه الأقران. ولكن، لو دقّقنا النظر في كتاب الحقيقة لعِلمنا أنَّ الرازق هو الله، سبحانه وتعالى، فهو الذي بيده الرزق، وهو يبسط ويقدر: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (الروم: 37). فإذا نسي المؤمن أنّ الرزق بيد الله لا بيد غيره، ضلّ الطريق، ولجأ إلى عبد فقير لا يملك قوت يومه لو أراد الله أن يحرمه. وعليه، يكون لجوء الإنسان إليه هو أحد مظاهر التعلّق بالماديّات التي تحول دون اللّجوء إلى الله - تعالى -: ﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ (قشرة النواة) (فاطر: 13).

3- توهّم القويّ الحقيقيّ

خلق الله الإنسان وأودعه القدرة، وتصدّق عليه ببعض القوّة، فراح بعض هؤلاء يشمخ بأنف الكبرياء، ويتصرّف على شاكلة الجبابرة، فمالت إليه النفوس الضعيفة، وظنَّت أنّ بيد هؤلاء القضاء والقدر، فتعلّقت بهم، وراحت تلوذ بقوَّتهم التي هي أوهن من بيت العنكبوت، ولو أراد الله محوَها لفعل، قال تعالى: ﴿قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيل (الإسراء: 56). ولو تأمّلنا بما حصل في التاريخ مع الجبابرة والعتاة، ومدّعي القوّة لفهمنا الخبر ورأينا في هؤلاء عبرة لمن اعتبر، ومنهم فرعون ونمرود وأشباههما. وعليه، فمن يتوهّم قدرة هؤلاء يلجأ إليهم ويستبدل بهم القويّ العزيز.

4- توهّم المحيي الحقيقيّ

لمّا كان الله -تعالى- واهبَ الحياة من العدم، وخالق البشر، ومزوّدهم بأسباب العيش وراسماً معادلة للحياة والموت، فهو المُبدئ، واحتفظ لنفسه بسرّ الموت، وجعله منبّهاً للإنسان، فقهره بالموت والفناء في ميعاد لا يملك مفاتيحه إلّا الله تبارك وتعالى.

ولربَّما ينسى بعضٌ أنّ الله -تعالى- هو صاحب هذه اليد الطولى على مسرح النفس، فتراه يطلب أنفاسه من فقير لا يملك من لحظات عمره شيئاً، أو يتوسّل من عاجز ينخر الوهن في عكّازه حتى لو كان يقول بلسان المكابر: ﴿أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ، فالله تعالى هو الطبيب الذي يملك دواء دائنا، فمن ركب إلى غيره لم يجد لدائه إلّا مزيداً من الألم، ومن قصده وفّاه قصده على أكمل حال.

5- كذب العادلون بالله

يقول سيد الساجدين عليه السلام في دعاء السحر الشهير: "كذب العادلون بالله وضلّوا ضلالاً بعيد"1، فالضلال والخسارة هما العاقبة الطبيعيّة لمن يجعل لله تعالى عِدلاً، وييمّم وجهه شطره، ويتوقّع منه العون والمدد؛ لأنّه لن يجد شيئاً: "ماذا وجد من فقدك..."2. ومن أراد الخروج من هذا الشَرَك، فإنَّ عليه أن يمتلك الشعور الحقيقيَّ بحضور الله الدائم: "ما رأيت شيئاً إلّا ورأيت الله قبله..."3. وهذا المسار يمثّل بوابة اللّجوء إليه سبحانه وتعالى، فبدل أن يكون الله أهون الناظرين ينبغي أن يكون الله تعالى أوّل وأدقَّ الناظرين، وفي جميع الأحوال: في السفر وفي الحضر "أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل ولا يجمعهما غيرك..."4.

6- الفهم التوحيديّ السليم

لا يلجأ إلى الله تعالى إلّا من يشعر بأنّه سبحانه هو المتصرِّف الحقيقيُّ، وعليه كلَّما كان الفهم التوحيديّ صحيحاً ومكتملاً، كان الشعور بحضور الله تعالى في ساحة النفس أكثر.

7- اللّجوء إلى الله في الشدائد

تنقطع أنفاس الإنسان المعاند إذا وقع في شدّة، وتقطَّعت به السبل، ويهيم على وجهه يبحث عن خالق طالما أنكره وبالغ في معاندته، بل، وتحدّيه أحياناً، يرفع يديه توسُّلاً، ويناجيه داعياً، ويستغيثه مقرّاً له بالعجز، والفقر، والوهن، وهو مشهد يصفه القرآن، فيقول فيه: ﴿وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (فصلت:51) أي: أنّه يطيل الدعاء ويزيد منه بلا انقطاع؛ لأن لحظة الحقيقة عندما تحين، ينكشف معها وهْمَ التعلّقات الزائفة، فينظر الإنسان مِن حوله فلا يجد إلا الله تعالى5: ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ (الإسراء: 67) ومعه لا يجد بدّاً من تعليق الآمال عليه، والوقوف في ساحته. ورغم أنّ هذا الالتحاق السريع بالله تعالى هو التحاق مصلحة، وإيمان اضطرار، إلّا أنّه قد يكون في لحظةِ يقظةٍ تُشرق على القلوب المشتاقة إلى المعرفة والإيمان الحقيقيّين. كما أنّه قد يكون لحظة ارتداد على آخر أوراق النجاة؛ لتتجدّد معها رحلة الإنكار في لحظة الوصول إلى شاطئ الأمان الموهوم؛ لذا تكمل الآية السابقة: ﴿فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُور (الإسراء: 67).

8- روّاد جهاز [أبولو 13] يلجؤون إلى الله

لقد كان الله -تعالى- ولا يزال، وسيبقى الحقيقة التي قد لا يشعر بها بعض الأشخاص عندما ينعم بالراحة والأمن والاطمئنان، على الرغم من أنّ الله مصدر ذلك كلّه. ولكن، عندما يفاجئنا الخطر ويداهمنا الهلاك، فلا نجد بُدّاً إلّا أن نخاطبه، ونناديه، ونناشده، كما ناشده رواد جهاز (أبولو 13) عندما كانوا يقومون برحلة استكشاف إلى القمر عام 1970م، حيث تعطّل بهم الجهاز، وحاولوا النجاة بكل الوسائل فلم يفلحوا، عندها وصل صوت استغاثتهم بالله إلى أسماع أهل الأرض، وقد اضطر انفجار في خزان الأوكسجين إلى إعادة الرحلة بصورة طارئة إلى الأرض بعد بضع دورات في مدار القمر6.


1- مصباح المتهجد: الطوسي. ص587.
2- بحار الأنوار: المجلسي. ج95، ص226.
3- شرح أصول الكافي: المولى المازندراني. ج3، ص98.
4- نهج البلاغة، من كلامه عليه السلام. (46).
5- قال تعالى في سورة النور، آية 39: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ.
6- جريدة السفير، عدد9370، 9 كانون الثاني 2002م.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع